بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

د. سعد السيد الحائز على جائز أحسن عالم للكيمياء بدول العالم الثالث: حياتى البحثية سلسلة من المواجهات والتحديات الصعبة


أجرى الحوار/ أحمد بلح
ahmed_balah71@hotmail.com

تعد تجربة الدكتور سعد السيد أستاذ الكيمياء فى جامعة عين شمس المصرية، إحدى التجارب الرائدة التى تستحق التوقف عندها كثيراً للاستفادة منها فى معرفة كيف يمكن للباحث فى دول العالم النامي التغلب على عوائق البحث العلمي، وبخاصة مشكلة ضعف الإمكانيات. فالرجل الذى آثر البقاء فى بلده على الرحيل، حقق إنجازاً علمياً نال تقديراً عالمياً، كما تمخضت تجربته عن سلسلة من الكتب العلمية المتخصصة التى تدرس حتى الآن فى أفضل جامعات العالم بدول العالم المتقدم. وقد قارب عدد الأبحاث العلمية التى أجراها طوال حياته البحثية قرابة المائتين، اتجهت جميعها على الرغم من تنوعها للناحية التطبيقية فى الصيدلة والصناعة وعلاج مشكلات التلوث البيئي، كما نشرت كلها فى أرقى الدوريات العلمية العالمية. اختارته اليونسكو للاستفادة من تجربته عبر نشر كتابين من تأليفه يحمل الأول عنوان " الأجهزة قليلة التكلفة"، أما الثاني فقد جاء تحت عنوان " طرق تدريس الكيمياء العملية " . كما اختارته أكاديمية العالم النامي للعلوم عام 1986، ليكون أول عالم عربي ينال جائزتها.

• ذكرت فى الحلقة السابقة، أن الفرصة جاءتك بعد الحصول على الدكتوراه للسفر إلى أمريكا فى منحة بحثية؟
نعم، ولكن كان ذلك بالتحديد فى عام 1972، أى بعد حصولي على الدكتوراه بقرابة 3 سنوات ولمدة 6 أشهر فى معهد رنسلر التكنولوجي بنيويورك.

• حدثنا، كيف كانت تجربتك هناك؟
كانت مفيدة جداً حيث أتيح لى العمل على كل أشكال التحاليل بالأجهزة الحديثة، وتمكنت خلالها من الخروج بستة أبحاث كاملة جديدة تماماً، ونظراً لقصر مدتها وما هالنى من حجم الإمكانيات المتاحة هناك، كنت تقريباً أبيت فى المعمل. كنت تقريباً أبيت فى المعمل، وقد أحدث ذلك حالة من الاندهاش بين زملائي، ولولا أن الأجهزة التى كنت اشتغل عليها كانت تعمل بشكل آلي فتسجل النتائج مصحوبة بالتوقيتات، لما صدقوا بمسألة مبيتي فى المعمل يومياً تقريباً. وأنا شخصياً، اعتبر هذه الفترة هى النواة التى فتحت أمامي العديد من الفرص البحثية الجديدة .

وقبيل عودتي لمصر طلب منى أستاذي الذى امتحنني فى رسالة الدكتوراه " تى إس ما " إعداد كتاب بالتعاون معه حول استخدامات " الأقطاب المنتخبة الأيونية " .

• وهل أسفر هذا التعاون عن خروج الكتاب للنور؟
نعم، لقد سافرت بعد عودتي لمصر بفترة زمنية قصيرة إلى ليبيا للعمل فى إحدى جامعاتها، فأصبح موضوع الكتاب هو همي الشاغل، وساعدنى على ذلك توافر الإمكانيات فى ليبيا كما أنهم كانوا يستجيبون لكل ما أطلبه وبلا استثناء، وبالفعل انتهيت من كتاب حول التحاليل الكيميائية باستخدام "الأقطاب المنتخبة الأيونية " أو ما يعرف أيضاً باسم المستحثات الكيميائية. أرسل الكتاب إلى دار النشر الأكاديمية Academic Press والتى تعد إحدى أكبر دور النشر العالمية، وهناك طلبوا تقليل عدد صفحات الكتاب، حيث كان حجمه كبيراًَ جداً، إلا أنى فضلت أن يطبع على جزءين نظراً للمجهود الكبير الذى بذلته فيه، لاحتوائه على معلومات قيمة لتجارب عملية قمت بها خلال فترة وجودي فى ليبيا. وبالفعل تمت عملية النشر عام 1982.

• ولكن حسب علمي فإن هذا الكتاب كان الأول ضمن سلسلة من الكتب المتخصصة التى تدرس فى أرقى جامعات العالم؟
نعم، فقد أتيحت لى فيما بعد العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى فى الفترة من 1980 الى 1982، ولكن كأستاذ زائر فى جامعة ديلاوير، تمكنت خلالها بالتعاون مع العالم الأمريكي الشهير " جاري رخنتز " فى نشر عشرين بحثاً علمياً وإعداد كتاب نشرته دار النشر العالمية " جون ويلي " عن استخدامات تقنية " طيف الامتصاص الذري " فى التحاليل الكيميائية، والكتاب يدرس فى العديد من جامعات العالم، حيث كان فى ذلك التوقيت الكتاب الوحيد المتاح على مستوى العالم عن استخدامات طيف الامتصاص الذري فى التحاليل العضوية. وكانت دار النشر الأكاديمية قد نشرت لى كتاب حول " تحليل الفيتامينات " عام 1980 . كما تعاونت مع اليونسكو فى إصدار كتابين الأول بعنوان " الأجهزة قليلة التكلفة " ، والثاني بعنوان " طرق تدريس الكيمياء العملية " . وقد بلغ إجمالي هذه الكتب أربعة عشر كتاباً نشرت جميعها فى دور نشر عالمية، لذا فقد جاءت جميعها باللغة الإنجليزية. وقد زودت أحدها بحوالي 2500 مرجعاً علمياً، وهذا ما أشار إليه البروفيسور س. ناتلسون الأستاذ بجامعة تنسي الأمريكية فى العدد رقم 31 من مجلة Microchemical Journal ، وقد أشاد بالكتاب طالباً أن تزود به المكتبات والجامعات والمعاهد العلمية الطبية والصناعية والبيئية.

• نعود مرة أخرى لتجربتك البحثية فى ليبيا، كيف تستطيع أن تقيم لنا هذه التجربة الآن؟
جاءت إعارتي إلى ليبيا لمدة أربع سنوات فى الفترة من سبتمبر 1972 وحتى يونيو 1976 ، نشرت خلالها 36 بحثاً علمياً تم نشرها فى كبريات الدوريات العلمية المتخصصة. كما أن تجربتى فى لبيبا لم تقتصر على الجوانب البحثية وفقط، وإنما أمتد نشاطي هناك إلى تطوير أنظمة التدريس وتطوير المعامل ومحاولة خلق كوادر علمية ليبية يمكن الاعتماد عليها فى دفع عجلة البحث العلمى هناك. وما زالت التجربة مستمرة، حيث أننى أقوم بدور الممتحن والمحكم لرسائل الماجستير والدكتوراه وترقية الأساتذة الليبيين داخل جامعاتهم . ومما هو جدير بالذكر، أنه بمجرد عودتي من ليبيا عام 1975 حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى الكيمياء وكان عمرى آنذاك 32 سنة. كما نلت جائزة الجمعية الملكية البريطانية فى الكيمياء عام 1979 عن استخدامات المحسات الكهروكيميائية فى تحليل الأدوية، وكذلك الميدالية الذهبية للجمعية الكيميائية الأمريكية عام 1982 عن استخداماتي للإنزيمات فى التحاليل الطبية.

• ولكن، ما هو الأساس العلمي الذى تقوم عليه فكرة عمل تقنيات المستحثات الكيميائية؟
تعود فكرة ابتكار المستحثات إلى أول رحلة فضاء قام بها المكوك كولومبيا، حيث كانت هناك حاجة لابتكار وسائل لمعرفة نسب بعض الأيونات والغازات فى التجارب العلمية المختلفة التى كانت تجرى على متنه، وهى تجارب تحتاج إلى توافر أجهزة تحليل تستخدم اللهب مثل جهاز قياس الطيف الذرى Atomic Absorption ، وهو ما قد يسبب خطورة على رواد الفضاء الموجودين على متن المكوك. لذا كان ابتكار المستحثات والتى تتميز إمكانية تصنيعها بأحجام دقيقة جداً فى حجم الدبوس مثلاً، وبأشكال مختلفة، ويمكنها إجراء التجارب على عينات غاية فى الدقة. ومن هنا بدأ دخول المستحثات فى تقدير كل شىء، حيث تستخدم فى تقدير العناصر الكيميائية فى الملوثات، والأدوية، والماء، والهواء، والغذاء أيضاً.
وتستوحى المستحثات الكيميائية فكرة عملها ببساطة من طريقة عمل الأغشية الموجودة بجدران الخلايا الحية، والتى تكون حساسة تجاه دخول أو خروج عناصر غذائية معينة دون الأخرى. وقد تم الاستعاضة عن ذلك بالأغشية المخلقة، وهى عبارة عن أغشية بوليمرية تصنع من مواد " بى . دى . سى " ، " البولى استيرين " بولى يورسين " وتزود بمواد نشطة كهربياً يمكنها أن تحس بطبيعة ونسب المواد المطلوب تقديرها داخل المحاليل الكيميائية، حيث يمكن وضعها فى إناء التفاعل وهو مغلق لتكون بمثابة المؤشر الذى يكشف للباحث عما يحدث بالداخل.

• أرجو أن توضح لنا كيف أصبحت أحد رواد هذا المجال التقني الجديد؟
أمكن لى العمل على هذا المجال وإحداث تطوير فيه، وبخاصة فى ابتكار العديد من المستحثات فى مجال الأدوية وأخرى فى مجال المواد المخدرة، وكذلك الملوثات بأنواعها. وقد كانت لى تجربة ثانية فى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما عدت إليها عام 1980 كأستاذ زائر لمدة عامين، عملت خلالها على المستحثات الحيوية وهى تقنية تستخدم بشكل واسع فى تقدير نسب المركبات الدوائية، وكذلك المركبات البيولوجية فى جسم الإنسان بتركيزات متناهية فى الصغر كالفيتامينات أو بعض المواد التى تتخذ كمؤشر على الإصابة ببعض الأمراض، لذا فإن تقدير هذه المركبات بنسب متناهية فى الصغر يمثل أهمية كبيرة جداًُ فى اكتشاف هذه الأمراض فى وقت مبكر.

• وماهى آخر التطورات العلمية فى هذا المجال الهام؟
أود الاشارة إلى أن لجنة الأمن القومى الأمريكى كانت قد تقدمت إلى الرئيس الأمريكى السابق " بل كلينتون " بتقرير يضم توصيات عن دور العلم فى تحقيق السيادة الأمريكية على العالم، وضرورة الاهتمام بـ 27 مجال علمى لتحقيق ذلك كان فى مقدمتها مجال تكنولوجيا المستحثات. وبالفعل، تم تطوير أنواع كثيرة للمستحثات مع حلول القرن الحادى والعشرين تستطيع القيام بعمليات القياس عن بعد، حيث ترسل مع المركبات الفضائية الغير مزود برواد لأداء بعض المهام، وكذلك الحال فى قيعان البحار والمحيطات. كما يوجد الآن ما يعرف بالأنف الإلكترونية التى تستطيع أن تشم الروائح، واللسان الإلكتروني الذى يتذوق بواسطة شريحة دقيقة جداً مبرمجة على أداء ذلك، وقد أمكن استغلال ذلك فى تشخيص العديد من الأمراض كأمراض الجهاز الهضمي والتعرض على بعض أنواع السرطانات وهناك أيضاً استخدامات لها فى الصناعة وبخاصة صناعة المواد الغذائية، حيث تتيح التعرف على صلاحية المنتج من عدمه.


• تعتبر تجربتك البحثية فى دولة قطر الأكثر ثراءً، نرجو أن تسلط لنا الضوء على هذه التجربة، خاصة وأنك نلت فى أثناءها جائزة أفضل عالم فى دول العالم الثالث؟
جاء سفري إلى قطر بناء على طلب المسئولين فى جامعة قطر، حيث عينت رئيساً لقسم الكيمياء هناك. استمرت الرحلة 4 سنوات فى الفترة من عام 1984 وحتى 1989، نشرت خلالها قرابة 25 بحثاً على المواد الكيميائية المخدرة والملوثات البيئية، وخلال هذه الفترة وبالتحديد فى عام 1986 منحت جائزة أكاديمية العالم الثالث للعلوم من ضمن 500 عالم تم ترشيحهم للجائزة. وقد تسلمت الجائزة فى قاعة الشعب الكبرى فى بكين من قبل الرئيس الصيني فى ذلك الوقت، وكذلك العلامة الباكستاني الحائز على جائزة نوبل وصاحب فكرة الجائزة. وجاء اختيار الصين آنذاك، حيث كانت أكبر دول العالم النامي . وقد عدت إلى مصر مرة أخرى فى عام 1989، وفى عام 1991 حصلت على درجة الدكتوراه العالمية فى العلوم DSC . كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية فى عام 1998، الغريب فى الأمر أن الترشيح لها جاء من جامعة حلوان وليس من جامعة عين شمس، حيث أننى كنت فى ذلك الوقت رئيساً لقسم الكيمياء وقمت آنذاك بترشيح أحد أساتذتي ولكن كانت المفاجئة هو حصولي عليها، وأنا الآن عضو فى اللجنة العليا التى تمنح جوائز مبارك وجائزة الدولة التقديرية أيضاً.

• ولكن، ماهى قصة حصولك على جائزة أكاديمية العلوم لدول العالم النامي كأحسن عالم فى دول العالم الثالث؟
الترشح للجائزة جاء بناءً على اقترح لمجلس إدارة جامعة قطر، حيث كنت ما أزال معاراً بها . وقد تقدمت إلى الجائزة بعدد من الأبحاث وصل آنذاك 120 بحثاً فى مختلف المجالات التطبيقية للكيمياء التحليلية اشتملت على ابتكار طرق علمية جديدة تتميز ببساطة الاستخدام والتجريب للكشف عن العناصر الكيميائية المؤلفة لجزيئات الفيتامينات والهرمونات والإنزيمات والأجسام المضادة بالإضافة إلى أخرى فى مجال الكشف عن المخدرات فى الدم واللعاب. هذا إلى جانب التطبيقات الكيميائية فى مجالات الصناعة وحماية البيئية من التلوث. علاوة على أربعة كتب علمية منشورة فى الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا، كنت قد كتبتها بالإنجليزية وتم نشرها فى عدد من دور النشر العالمية كما سبق التنويه إلى هذا الأمر من قبل. وكانت الجائزة ترشح حائزيها فى ذلك الوقت لنيل جائزة نوبل، كما أشترك فى التحكيم بعض العلماء الذين يشاركون فى اختيارات جوائز نوبل العلمية. وجاء فوز بالمركز الأول من بين 500 عالم للكيمياء ينتمون جميعاً لدول العالم الثالث.

• هناك تجربة هامة تستحق أن نتوقف عندها، وأقصد بها تجربة المعمل المرجعي لجهاز شئون البيئة؟
بعد رجوعي إلى مصر عائداً من قطر، قمت فى تسعينيات القرن الماضي بالتعاون مع جهاز شئون البيئة المصري وهيئة المعونة الدانماركية بإنشاء المعمل المرجعي الذى يمثل المرجعية العلمية والتكنولوجية لجهاز شئون البيئة، حيث يقدم المشورة والخبرات التقنية. ويتولى الأشراف على جميع فروع المعمل فى محافظات مصر المختلفة، كما يقوم على تدريب الأفراد العاملين فيها. ومما يجدر ذكره أن هذا المعمل نال ما يعرف بشهادة الاعتماد أو الجودة العالمية " أيزو" ليكون بذلك أول معمل تقني فى جميع جامعات مصر ينال هذه الشهادة.



• ولكن وقبل أن أختم حديثى مع سيادتكم، ماذا عن سعيكم لتوريث جهودكم العلمية فى بلدكم مصر؟
استطعت مع إحدى الشركات المصرية العاملة فى مجال الأدوية تدريب الباحثين الموجودين بها على استخدام أنواع معينة من المستحثات لتتبع التفاعلات بما يمكن من تطويرها لرفع حصيلة الإنتاج بالشركة. وبالفعل نجحنا فى رفع حصيلة العائد بالنسبة لخمس أنواع من الأدوية من 30% الى 80 %، وهو ما يعود على زيادة الربح والعائد. وأنا صاحب مدرسة علمية لا تقتصر على جامعة عين شمس فقط، وإنما تمتد إلى جامعات أخرى كجامعة المنوفية والزقازيق وألمنيا بالإضافة إلى جامعتي القاهرة وعين شمس فى تخصصات الكيمياء والصيدلة. فقد أشرفت حتى الآن على قرابة 80 رسالة ماجستير و80 رسالة دكتوراه .

ـــــــــــ
نشر الحوار الأصلى على مجلة العربي الكويتية عام 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق