بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

حياة سندي.. قصة نجاح عالمة سعودية



حياة سندي.. قصة نجاح عالمة سعودية
حاورها – أحمد بلح : " داخل منزلي في بريطانيا أعيش وطني الذي أتمنى عودتي إليه، ففي بيتي كل شيء من رائحة الوطن، ترتيب أثاثي، والصور القرآنية على الحوائط، والبخور الذي أبخر به يومياً حجراته المختلفة ". بهذه الكلمات الرقيقة عبرت الباحثة السعودية الدكتورة "حياة سندي " المتخصصة في علوم التقنيات الحيوية عن مدى اشتياقها للعودة إلى أرض الوطن.
حياة التى ولدت فى مكة، أمضت ما يقارب 13 عاماً في بريطانيا، تعمل وتدرس حتى حصلت على درجة الدكتوراه في أدوات القياس الكهرومغناطيسية والصوتية من جامعة كمبريدج العريقة، وقد استطاعت أن تتوصل إلى عدد من الاختراعات العلمية الهامة جعلتها تتبوأ مكانة علمية عالمية رفيعة. وقد دفعت هذه المكانة أمريكا الى دعوتها ضمن وفد ضم 15 من أفضل العلماء في العالم، لاستشراف اتجاهات ومستقبل العلوم ، كما دعتها جامعة بركلي لتكون واحدة ضمن أبرز ثلاث عالمات،هن كارل دار، رئيسة بحوث السرطان، والثانية كاثي سيلفر، أول رائدة فضاء، بالإضافة إليها ليكن المثل الأعلى في العلوم والتقنية للفتيات الأميركيات لتحفيزهن وتشجيعهن على الولوج إلى المجالات المختلفة فى العلوم.
مسيرة حياة
تخرجت حياة من الثانوية العامة بتفوق، حيث أهلتها درجاتها للالتحاق بكلية الطب، وهناك عشقت علوم الأدوية، إذ كانت تراها علوماً تخدم الإنسانية وتحميهم من المرض. ولسوء الحظ لم تجد فى جامعات المملكة قسم يختص بتدريس هذا العلم، وأمام رغبتها الشديدة فى استكمال تعليمها فى هذا التخصص، استسلم الأهل عندما أبدت لهم رغبتها فى السفر إلى لندن لدراسته هناك.
وصلت حياة إلى لندن ولغتها الانجليزية أو ما تحمله من خلفية علمية لا يؤهلانها للقبول بأي جامعة، لكنها استطاعت أن تتجاوزها بالإرادة والجدية. تقدمت حياة للثانوية البريطانية التى كان عليها أن تجتازها أولاً ، ولكن نظراً لأن لغتها كانت ضعيفة فقد رفض طلبها، وعندها قررت أن تنزع كلمة المستحيل من قاموس حياتها، فكانت تدرس يومياً مابين 18 إلى 20 ساعة إلى أن تقدمت للاختبارات التى أهلتها فيما بعد للحصول على قبول غير مشروط في جميع الجامعات التي تقدمت لها، عندما قررت الالتحاق بجامعة ( كينجز كوليدج ).



نبوغ مبكر
جاءت لحياة فرصتها الذهبية وهى فى العام الثاني من مشوارها مع العلم، عندما وصل عقار جديد من ألمانيا إلى جامعتها، وطلب من فريقها العلمي أن يجرى عليه التجارب لمعرفة تركيبته الكيميائية، وكيفية عمله فى جسم الإنسان. وقد استطاعت وفريقها تحقيق هذا الإنجاز، فكانت تلك التجربة وراء اختيارها التقنية الحيوية ليكون مجال تخصصها فى الدراسات العليا بجامعة كمبريدج بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف. وكما تقول " : لقد أدركت بأن من ينجح في التحكم بالتقنية الحيوية ينجح بالتحكم في العالم وتسخير موارده لحياة أفضل، فالتقنية الحيوية اليوم مفتاح النهضة العلمية والاقتصادية " .
وفى الشهر الرابع لها فى كمبريدج، تمكنت من تحقيق نتائج مبهرة على جهاز من ابتكارها يتتبع آثر نوع من أنواع المبيدات الحشرية على الدماغ. وقد تقدمت ببحثها هذا إلى مؤتمر ( جوردن ) المنعقد فى ولاية بوسطن الأمريكية، حيث تم قبول البحث، إلا أن الجامعة رفضت لعدم استعدادها التكفل بالتكاليف، خاصة أنها مازالت طالبة، ولم يمر على وجودها بالجامعة سوى عدة شهور . وكانت المفاجأة أن الجهة المنظمة أبدت استعدادها لتغطية التكاليف، وبالفعل ذهبت، حيث كانت أصغر المشاركين، و هناك حظي البحث باهتمام وإعجاب بالغين من كل الحضور. فكانت بذلك أصغر طالبة ترسلها الجامعة لحضور مؤتمر علمي فى الخارج.
وفى عام 1999 تم اختيارها كى تنضم إلى فريق العلماء الشبان الأكثر تفوقاً في بريطانيا فى تجربة تمت بمجلس العموم البريطاني بهدف أخذ مشورة هذه المجموعة فى تطوير مناهج العلوم ووضع آليات للحد من الهجرة تجاه أمريكا.
وقبيل الانتهاء من الدكتوراه، وبالتحديد فى عام 99 جاءتها دعوة من مستشفى السرطان بكندا لإجراء التجارب على مجس متعدد الاستخدامات كانت قد ابتكرته وذاع صيته. ولم تكن هذه الدعوة الأولى من نوعها فيما يخص هذا الابتكار المعروف اختصاراً بـ مارس MARS، حيث تلقت قبل ذلك دعوة من وكالة ناسا ولمدة أسبوعين قدموا إليها بعدها عرضاً مغرياً للعمل معهم. ويمكن القول بأن هذا الجهاز هو خلاصة أبحاث وتجارب " حياة " العلمية، حيث أن له العديد من التطبيقات فى نواحي مختلفة للصناعات الدوائية، وفحوصات الجينات والحمض النووي DNA الخاصة بالأمراض الوراثية، وكذلك المشاريع البحثية لحماية البيئة وقياس الغازات السامة. ويتميز ابتكارها بدقته العالية التى وصلت إلى تحقيق نسبة نجاح فى معرفة الاستعداد الجيني للإصابة بالسكري تبلغ 99.1، بعد أن كانت لا تتجاوز 25% .
عقبات على الطريق
وعلى الرغم من مؤشرات النبوغ المبكر التى ظهرت على حياة، فقد كان هناك الكثير من العقبات التى اعترضت طريقها. فقد بدأت هذه المرحلة بصدمة تلقتها بمجرد انتسابها كأول سعودية تحصل على منحة دراسية لتحضير أطروحة الدكتوراه في مجال التقنية الحيوية،عندما استقبلها أحد أساتذتها بصرخة فى وجهها طالباً منها ضرورة الفصل بين العلم والدين، فى إشارة إلى حجابها، قائلاً : " فاشلة ، فاشلة ، فاشلة ... ما لم تتخلي عن حجابك ومظهرك وأؤكد لكِ بأنه خلال ثلاثة أشهر فقط ستذوب شخصيتك في مجتمعنا وتصبحي مثلنا، فلابد من الفصل بين العلم والدين ." وخلال الأشهر الثلاثة، تبدل الهجوم لاحترام كبير من جميع الزملاء، فقد أدركوا من سلوكها المتميز بأنه لا تعارض فى الإسلام بين الدين والعلم، حتى أنهم كانوا يمتنعون خلال شهر رمضان عن تناول الطعام أمامها، بل ويؤجل بعضهم وجبة الغداء إلى موعد الإفطار احتراماً وتقديراً لها .
ومن هذه العقبات ما واجهته وهى على مشارف الانتهاء من رسالة الدكتوراه، وكان قد تبقى على المنحة 9 أشهر فقط، عندما جاءها خطاب من عميد الجامعة يفيد بضرورة تغيير موضوع البحث والعمل على مشروع جديد!! لم يحمل الخطاب أي مبررات... كان عليها أن تنجز رسالة جديدة في 9 أشهر... دارت الدنيا بها عندما شعرت بأن هذا القرار كفيل بأن يعصف بكل آمالها. سألت نفسها وما العمل؟ فلم تجد غير إجابة واحدة وهى ضرورة الاستجابة وبسرعة حتى لو تطلب الأمر منها أن تسابق الزمن، وبمجرد وصول الخبر لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز،جاءها اتصالاً يفيد بتكفل الدولة بتغطية الفترة المتبقية من دراستها.
أنجزت حياة رسالتها والتى كان موضوعها " دراسات متقدمة في أدوات القياس الكهرومغناطيسية والصوتية " وقد صنفها أستاذها بأنها خمس رسائل في رسالة واحدة، نظراً لما حملته من تشعب في مجالات علمية عديدة وتخصصات مختلفة. وقد أجيزت الرسالة، وهنأها أستاذها قائلاً لها: " لقد فتحت يا حياة نافذة جديدة للعلماء لفهم العلوم ".

بين الروس والأمريكان
فى عام 2001، تلقت حياة سندي الدعوة لزيارة البنتاجون على هامش حضورها المؤتمر القومي لمرض السرطان، وهى الزيارة التى تقول عنها أنها كشفت لها أسرار النهضة العلمية الأمريكية، حيث اطلعت على الدور الذى يقوم به العلماء هناك. وتقول حياة تعليقاً على ذلك:" في البنتاجون يتم اختيار نخبة من العلماء، ويكون لهم قسم خاص في الحكومة وميزانية ضخمة للأبحاث والدراسات... وتتجاوز الرؤية ذلك بالعمل المستمر على اكتشاف المشاكل التي يعاني منها المجتمع المحلي ومن ثم توجيه العلماء لدراستها في سبيل إيجاد الحلول لها أو الاتجاه مباشرة إلى تخصصهم في المجالات التي يحتاجها المجتمع" .

وفى المقابل من ذلك، أتيح لحياة زيارة روسيا فى إطار منحة بحثية مقدمة من جامعة كمبريدج تتمثل فى نقل خبرتها فى مجال أبحاث التقنية الحيوية لجامعة موسكو. وقامت حياة بالتواصل مع الباحثين الروس الذين لم يكن لديهم خلفية عن شخصيتها، عبر الايميل قبل أن تنتقل إلى موسكو. وقد جاءت المفاجأة بمجرد أن وصلت روسيا، وفى الموعد والمكان المحدد جاء لقاؤها مع العلماء الروس الذين ما إن علموا بوصولها حتى خرج عدد منهم من قاعة الاجتماع لمقابلتها، وإذ بعلامات الاستغراب على وجوههم، و جاء على لسان أحدهم مستنكراً صغر السن وربما يكون هيئتها وهى ترتدى الحجاب: هل أنتِ حياة سندي؟... فأجابت بنعم ... فتبادلوا النظرات، وعادوا إلى القاعة وتركوها ترقب خطواتهم!!.... فسارت خلفهم إلى أن دخلت القاعة وخاطبتهم قائلة: لقد قطعت كل هذه المسافة بناء على طلبكم ولدي مهمة سأنجزها، فهل نبدأ؟... فاستجابوا لها، ولم يفت من الوقت إلا القليل حتى تبدلت المواقف من الاستغراب والاستنكار إلى الإعجاب والتقدير .
الافتقار إلى المناخ العلمي
ومثلها كباقى العلماء والباحثين العرب يفتقدون فى بلدانهم المراكز العلمية المتطورة التى تناسب تخصصاتهم. وفيما يخص حياة، فإن ارتباطها بالخارج أصبح معلقا بما تنادى به من إقامة مركز للأبحاث العلمية في الوطن.
وتعلق حياة على مسألة عودتها بقولها: " إن عدت الآن فسوف أغرق في العمل الأكاديمي البحت، وسيستهلك ذلك وقتي الذي أريد استغلاله في معامل متخصصة متطورة يمكنها أن تحوي كل ما أريد أن افعله في أبحاثي، لا أن أصاب بالإحباط في نقص الأدوات وتواضع الإمكانات، ولذلك أنادي بقيام مشروع متخصص في الأبحاث متطور تقنياً ".
الإيمان بالعمل التطوعي
تأمل حياة من خلال عملها ونشاطها أن تكون سفيرة لبلادها، تقول : " لا أحب أن أتأخر عن عمل الخير والترويج الايجابي لوطني"، داعية السعوديات والسعوديين إلى المشاركة في الأعمال التطوعية، معلقة على ذلك بأن أي عمل مهما كان صغيرا يصنع فرقا، وليس من الضروري أن يكون الشخص عالماً أو طبيباً أو ثرياً ليصنع فرقاً.

وفى هذا الإطار، تحرص حياة على الحضور إلى بلدها كلما جاءتها الفرصة بهدف عرض تجربتها الشخصية. وهى الآن تقوم بزيارات عديدة للفتيات في مختلف مناطق المملكة لأجل تحفيزهن على النجاح والطموح من خلال استعراض مشوارها العلمي والعملي. وتعلق على هذا الأمر بقولها: " لا أؤمن بالنجاح الفردي إذا لم يكن مرتبطا بالمجتمع، وواجبي أن أخاطب الفتيات على اختلافهن تشجيعا لهن على العلم والتميز من خلال تجربتي الذاتية" .
كما أنها شاركت مع 300 سيدة في جولة للسلام حول العالم باستخدام الدراجات الهوائية، ضمن مجموعة نسوية تضم سيدات وآنسات من مختلف جنسيات العالم تطلق على نفسها " فولو ذا وومِن " والتى تعنى" الحقوا بالسيدات" . والمجموعة التى يجمعها حب ركوب الدراجات يروجن للسلام ويأملن في إنهاء العنف في منطقة الشرق الأوسط، وقد حملن رسالة موجهة لقادة العالم عنوانها «تحركوا».
ولا تقتصر اهتمامات حياة بالعلم فقط، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى كثيرة، حيث أن لديها ثقافة موسوعية، فهى تحب الشعر والفن و تتذوق الموسيقى ومن الرياضة تهوى ركوب الخيل، كما أنها عاشقة للتراث، وتحرص على أن تخصص وقتا لكل ذلك.
ـــــــــ
الحوار منشور على موقع إسلام أونلاين. نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق