بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

بن لاخضر تفتح أبواب تونس للعلم الحديث


كتب أحمد بلح: " عندما هبط رائد الفضاء الأمريكي" نيل أرمسترونج" على سطح القمر عام 1969، سارت الصور التى أرسلها موجودة على كافة شاشات أجهزة التليفزيون فى العالم. لكن العالم احتاج إلى 20 سنة أخرى منذ هذا التاريخ لالتقاط أول صورة للذرة! وبالرغم من أن مجالات العلوم الذرية هو الأصعب على الاستكشاف، إلا أنها الأكثر دعماً لمسيرة التنمية. ففى الوقت الذى توقف فيه البشر عن إرسال مركبات مأهولة للقمر، بلغت سرعة البحث فى تطبيقات العلوم الذرية أقصى مداها" .. بهذه الكلمات البليغة عبرت زهرة بن لاخضر عالمة الفيزياء التونسية الحائزة على جائزة اليونسكو " نساء العلم فى العالم" عن مدى قناعتها بمجالات البحث العلمي التى خاضت غمارها عبر أكثر من ربع قرن، تمثل مسيرة حياتها كامرأة عربية عنيدة ومثابرة مع العلم.

• أنامل صغيرة ومشوار طويل
• القــــوة دائماً مــع العـــــلم
• بين المجهر والتليـــسكوب
• حياة حافلــــــة بالإنجازات
• القـــــــــــــائد القــــــــدوة

أنامل صغيرة ومشوار طويل
منذ أيام الطفولة المبكرة، واجهت زهرة معارك وعقبات على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية أيضاً، وربما هذا ما عاد عليها بالفائدة، وجعلها تستقوي على كل هذه العقبات، وتمضى قدماً فى اتجاه تحقيق حلم حياتها مع العلم.
تقول زهرة عن نفسها : " عندما كنت صغيرة كان كل من حولي يقولون بأن دراسة العلوم ينبغى أن تقتصر على صنف الرجال، فالأمر يحتاج لبذل الجهد الكبير وإلى المثابرة ومتطلبات أخرى يصعب على النساء الإيفاء بها . وتضيف: " كانوا يعتقدون فى ذلك انطلاقاً من إيمانهم بوجود فروق أساسية فى القدرات العقلية بين الرجال والنساء وكذلك بين البنات والأولاد، لقد كان الدور المفترض على النساء القيام به داخل المجتمع هو العناية بالأسرة، وإيفاء احتياجاتها داخل المنزل".
وتعلق بن لاخضر على الأمر بالقول " لم أكن أتقبل هذه الأفكار، لقد كنت أحب دراسة الرياضيات وكل العلوم، وبصفة خاصة الفيزياء التى أصبحت فيما بعد وسيلتى كى أثبت قدرتى على تحقيق النجاح والتفوق تماماً كما يفعل الرجال".

وتتذكر بن لاخضر رحلتها مع سنوات التعلم الأولي فتقول: " واظبت على الذهاب إلى المدرسة الابتدائية فى عام 1950فى مدن " المهدية " و " الجميل " ، حيث أعلى مستوى من التعليم متاح للفتيات هو الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسي. لقد انتظم معى قرابة 25 فتاة فى السنة الأولى بالمدرسة، سلكت 6 منهم كل السبل الممكنة للاستمرار فى الدراسة واستكمال تعليمهم. وتعلق بن لاخضر على هذا الأمر" لكن حتى لو نجحوا ما كانوا ليستطيعوا الاستمرار حتى المدرسة الثانوية، إذ أن الأمر كان يتطلب منا السفر مسافة 25 كيلو متر فى كل يوم للوصول إلى مدينة " سوسة " أقرب المدن التونسية الكبري لنا، وهى رحلة طويلة وشاقة فى ظل عدم توافر أتوبيسات أو أية وسائل أخرى ملائمة للانتقال. لقد كانت غالبية الفتيات يذهبن فقط إلى المدرسة الابتدائية لسنوات معدودة ثم غالباً ما يتزوجن فى سن يتراوح حول 15 عاماً. لقد كان الزواج محور الاهتمام الأساسي لدى البنات فى حياتهن، وهذا ما كان المجتمع يتوقعه منا.


القوة دائماً مع العلم
كان المجتمع التونسي آنذاك بعيد عن ممارسة العلم الحديث ذكوراً وأناساً على السواء، فلم يكن يوجد بين التونسيين مهندس أو طبيب، فالبلاد خاضعة للاحتلال الفرنسي، لذا اقتصرت هذه التخصصات على الفرنسيين. كان أحد أهم دوافعي وراء النجاح فى مجال العلم هو الأهمية التى كان والداي يضعانها على العلم ودوره فى حياتنا، على الرغم من أنهما كان يعولان على أولادهما من الذكور فقط مسئولية القيام بدور فى هذه المساحة. لقد كانا يرغبان فى أن يتخصص أولادهما الذكور فى مجال الهندسة. وكما كان أبى يقول :" القوة دائماً مع العلم ومع الأفراد الذين يجيدون الرياضيات" .

وتعلق بن لاخضر على موقف والدها :" إن الصبيان يمتلكون القوة والفرصة أيضاً بحكم تكوينهم الطبيعي، ولكنى كنت أستطيع أن أرى أيضاً أن الفتيات ينبغى عليهم أن يكتسبوا لهم موقعاً فى عالم الرجال" .

فى عام 1956، حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا، وتغيرت الكثير من الأمور ، ومن ذلك أن نالت النساء حقوقهن وأصبحوا على السواء مع الرجال تحت سقف القانون، كما أصبح التعليم من القضايا الأساسية فى السياسات الحكومية. فى هذه الآونة، انتقلت عائلة بن لاخضر إلى عاصمة البلاد، وهناك نجحت فى أن تلتحق بالمدرسة الثانوية ومن بعدها الجامعة.
تقول بن لاخضر : " فى نهاية شهر يونيو من كل عام، كان يأتى إلى الجامعة أستاذ من فرنسا ليشرف على الامتحانات الخاصة بنا. وقد قررت الحكومة تخصيص منحة دراسية فى فرنسا لأفضل الطلاب فى العلوم الهندسية وأخرى فى العلوم الأساسية، فى عام 1976، وقع الاختيار على للالتحاق بالدبلوما العليا فى مجال علم الطيف الذري فى باريس.
وتعلق بن لاخضر على هذه الفترة بقولها: "جائتنى أنا و زوجي، وهو فيزيائي أيضاً الفرصة للعمل فى فرنسا، لكنا اخترنا العودة إلى بلدنا بالرغم من الحقيقة المعروفة لكلانا من افتقار تونس آنذاك للمناخ العلمي. و تضيف " بالفعل العمل هنا شاق جداً، لكننا لم نندم يوماً ما على قرارنا بشأن العودة لأرض الوطن.

بين المجهر والتليسكوب
لم تلتفت بن لاخضر إلى عروض العمل فى أوربا حيث الإمكانيات المادية والبحثية متوافرة، وقررت العودة إلى تونس حيث الجذور ما زالت تتشبث بالأرض التى نبتت بها. تسلمت بن لاخضر وظيفتها فى الجامعة فور عودتها للبلاد تحمل شهادة الدكتوراه من جامعة باريس عام 1978، لتبقى هناك منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.

فى المنطقة الفاصلة ما بين علمي الفيزياء والكيمياء، تقدم الفيزياء الذرية خلافاً لما هو شائع عنها مجالاً علمياً هاماً يحمل العديد من الفرص التنموية الواعدة، خاصة للبلدان النامية. ومنذ البداية، حرصت بن لاخضر على إنتاج أبحاث تطبيقية تلبى حاجة بلادها، لذا سعت إلى تأسيس نظام علمي يسهم فى تعزيز مسيرة علوم الضوء وتطبيقاتها فى تونس، بل وكل أفريقيا. وقد تمخض عن هذا النظام تطبيقات قيمة فى مختلف المجالات الحياتية ابتداءً من العلوم البيئية إلى علوم البيوتكنولوجي. وتعد أبحاثها نقاط بداية هامة لتطبيقات كثيرة متوقعة فى عدد كبير من المجالات العلمية كالفيزياء الفلكية والزراعة والطب والتطبيقات الصيدلية والصناعات الكيميائية. ففى أثناء عملها، تمكنت بن لاخضر من تطوير نظريات وطرق عملية متقدمة فى علم الاسبكتروسكوبي ( علوم الطيف الذري ) لدراسة تأثير الملوثات مثل الميثان والعناصر الفلزية (المعادن) على جودة الهواء والماء،حيث تدور أبحاثها النظرية على الخواص الطيفية للمادة، متضمنة تطبيقات مراقبة التلوث البيئي.

وعندما كانت زهرة طالبة فى باريس، ارتبطت بعلاقة ودودة مع العلامة المخبري ألفريد كاستلر، الذى استعرض للمرة الأولى ظاهرة انبعاث الضوء من أسطح المعادن، الظاهرة التى تنبأ بها آينشتين، والتى ساعدت فيما بعد على إنتاج الليزر .
وتعد ظاهرة تكبير ضوء الليزر وتتبع مساره فى الفضاء الواقع بين النجوم واحدة من أهم الموضوعات البحثية التى حظيت باهتمام بالغ من قبل زهرة، ونظراً لأنه لا توجد وسائل تقنية للمشاهدات الفلكية فى تونس، كانت تعتمد قى ذلك على المعامل الأوربية التى تربطها بالقائمين عليها علاقات طيبة، لتعود النتائج مرة أخرى إلى تونس حيث يتم تحليلها واستخلاص حقائق فلكية جديدة منها. وقد نجحت بن لاخضر فى إعداد كتالوج فلكى متميز يمكن استخدامه فى الاستدلال على تركيب النجوم فى الفضاء من خلال تحليل خصائص الضوء الذى نستقبله منها. وتعلق بن لاخضر على هذه الكشوفات بقولها : " لكى نفعل ذلك لابد من معرفة أن الضوء المرسل بواسطة الذرات والجزيئات يكون معبر عن التركيب الذري أو الجزئيى المقابل للجرم الصادر عنه. وقد أعدت بن لاخضر كتالوج خاص يضم ما يمكن أن نصنفه على أنه " بصمة ضوئية " للعناصر الكيميائية الداخلة فى تركيب الجرم السماوي".



حياة حافة بالإنجازات
ومنذ 30 عاماً تقريباً، تمارس بن لاخضر عملها كأستاذ للفيزياء فى جامعة المنار التونسية، وهى الآن تترأس قسم فيزيا " تجارب وتطبيقات علوم الطيف الذري " ، وتتولى مهمة العمل كمدير مختبر أبحاث الضوء، بالإضافة إلى كونها عضو مؤسس ورئيس " جمعية علوم الضوء التونسية ".
وتشرف بن لاخضر على الخريجين والطلاب الذين مازالوا فى مراحلهم الدراسية المختلفة. وفى هذا الإطار، ألفت بن لاخضر العديد من الأوراق البحثية التى نشرت فى مجلات علمية شهيرة، كما أسهمت فى تأليف العديد من الكتب الجامعية.

فى عام 1994 ، اختيرت البروفيسور بن لاخضر كعضو فى أكاديمية العلوم الإسلامية. وفى عام 2001 ، حازت على زمالة مركز " عبد السلام " الدولي للفيزياء النظرية ( ICTP ) ،كما اشتركت فى إعداد المؤتمرات الدولية الخاصة بمجال فيزيا الليزر، وكذلك وورش العمل المرتبطة بهذا العلم . وفى مطلع عام 2005، حازت بن لاخضر جائزة اليونسكو للنساء فى العلوم، بوصفها ممثلة لأبرز عالمات القارة الإفريقية في الفيزياء.

القائد القدوة
تبدى بن لاخضر إعجابها الشديد بالبروفيسور الباكستاني " محمد عبد السلام " الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء . ويعود الفضل إلى عبد السلام فى إنشاء المركز الدولي للفيزياء النظرية فى تريستا بإيطاليا، حيث يمكن لباحثي الفيزياء من دول العالم النامي الدراسة جنباً إلى جنب مع أحد العلماء فى جو علمي محفز مع إمكانية استخدام مصادر أفضل بإحدى المكتبات العلمية الكبرى. وتسير بن لاخضر على نهج عبد السلام متخذة من مبدأها الشهير " الإنسان ينبغى أن يعيش فى المكان الذى يكون فيه أكثر إفادة للآخرين، وعليه أن يحرص على ذلك فى كل مرحلة من مراحل حياته العملية " . وعندما سئلت بن لاخضر عن أحلامها العلمية، أجابت : " أمل بناء مركز عالمى لعلوم فيزيا الكم والبصريات فى أفريقيا تكون تونس مقر له على غرار مركز تريستا فى ايطاليا ". وتحرص بن لاخضر على فتح الطرق أمام الفتيات الأخريات لكى يسلكن نفس الطريق التى سلكته. وقد جائتنى أنا شخصياً الفرصة لكى التقى بهذه العالمة الكبيرة ز هرة بن لاخضر فى مراكش بالمغرب، حيث المؤتمر الخاص بالاجتماع السنوى للمجموعة الاستشارية الزراعية التابعة للبنك الدولى CGIAR التى كرمتها على جهودها فى خدمة العلم فى تونس وأفريقيا، وهو اللقاء الذى أتاح لى أن ألمس عن قرب مدى حبها للعلم وإيمانها بأنها صاحبة رسالة ترغب فى تذليل كل العقبات كى تحققها.
ـــــــــــــــ
المقال الأصلى منشور على موقع إسلام أون لاين. نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق