بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

عربي يقود العالم لتطوين العلم بالبلدان النامية


أجرى الحوار – أحمد بلح:
أحب العلم فانتقل وراءه سعياً فى طلبه من بلاد الشرق إلى بلاد الغرب، وبعدما أدرك أهميته قرر أن يعود إلى المشرق مرة أخرى ليفيد بلاده بما جمعه من علم. وعندما جاءته الفرصة ليوسع من نطاق تجربته لم يتردد فى الانضمام إلى عدة منظمات دولية تسعى إلى توطين العلم فى بلدان العالم النامي.

إنه العالم العربي السوداني الجنسية الدكتور محمد حسن المدير التنفيذي لأكاديمية العلوم للعالم النامي (TWAS)، ورئيس الأكاديمية الأفريقية للعلوم ( AAS ) ، والسكرتير العام لشبكة العالم الثالث للمنظمات العلمية (TWNSO ).

العربي العلمي ألتقى د. حسن على هامش مؤتمر " بيوفيجن الأسكندرية 2006 " العالمي الثالث للتكنولوجيا الحيوية، الذى أقيم بمدينة الأسكندرية فى مصر فى الفترة من 26 إلى 29 من شهر أبريل الماضي، وحضره نخبة من العلماء وقادة العلم وصناع القرار فى العالم، يتقدمهم 120 متحدثاً بينهم خمسة علماء من الحائزين على جوائز نوبل فى العلوم.


• فى البداية نود التعرف على التخصص الأساسي لحضرتك ؟
أنا حصلت على رسالة الدكتوراه من جامعة أكسفورد بإنجلترا عام 1974، فى الفيزياء النظرية وبالتحديد على مجال فيزيا البلازما أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Nuclear Fusion، وقد كان عمري وقتئذ 27 عاماً. و جاءت رسالتي ضمن مشروع دولي ضخم جداً يحاكى عمليات إنتاج الطاقة الشمسية من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية التى تتم على مستوى الأنوية الذرية أو ما اصطلح على تسميته التفاعل الإندماجي. وفد بدأت علاقتى بهذا المشروع الذى يعرف بالمفاعل الإندماجي " إيثر" منذ قرابة ثلاثين عاماً، حيث كان وقتها مازال فى البدايات، وكانت الدول الكبري تبنى عليه أمالاً كبيرة جداً، حيث يشترك فيه بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وكندا، بعض الدول النامية كالهند، والصين والبرازيل.
• وما هى أهمية الحصول على هذا النوع من الطاقة ؟
لهذا المشروع أهمية كبيرة، حيث أنه بموجبه يمكن الإجابة الدقيقة عن إمكانية إتاحة هذا النوع من الطاقة من خلال المفاعلات المخصصة لهذا الغرض أم لا، وفى حال إمكانية تحقيق ذلك سيكون ذلك نجاحاً هائلاً، حيث أنه يمتاز بقدرته على إنتاج كم هائل من الطاقة لم تصل إليه البشرية من قبل، بالإضافة إلى ما تتميز به من كونها نظيفة، إذ أن ما ينتج عنها من ملوثات يكون بنسب متدنية جداً إذا ما قورنت بالأنواع الأخرى الموجودة حالياً، وبالتحديد ما يعرف من أنواع الطاقات التقليدية كالفحم والبترول أو حتى الجديدة والمتجددة كالطاقة النووية.
• ولكن، كيف جاءت قصة سفرك إلى جامعة أكسفورد؟
بالفعل، تقف وراء سفري الى لندن قصة طريفة جداً، فأنت تعلم أن الغالبية من الشباب بعد المرحلة الثانوية فى البلدان العربية وبخاصة المتفوقين منهم فى أقسام العلوم والرياضيات لا يبغون غير الالتحاق بواحد من اثنتين من الكليات إما الطب أو الهندسة. وقد كنا فى السودان نلتحق بكلية العلوم لمدة سنتين على أن يأتى التخصص فى السنة الثالثة. ونظراً لرغبة الجامعة فى تعزيز أعداد أساتذة الرياضيات والفيزياء داخل الجامعة أعلنوا عن وجود منح للدراسة فى جامعة أكسفورد بإنجلترا فى هذين التخصصين للمتفوقين، وقعدوا يلحقون على لقبول ذلك الأمر وقد أوهمتهم بقبولي ولكن فى قرار نفسي كنت مقرراً الالتحاق بكلية الهندسة. وبالفعل، ومع بدايات العام الجديد التحقت بالهندسة ولكن بعد مرور قرابة ثلاثة شهور أدركت أنى أحب الرياضيات أكثر من أى تخصص أخر فى الهندسة، وعليه قررت السفر حتى يتسنى لى التخصص فى دراسة الرياضيات.
• وكيف كانت سنوات الدراسة فى جامعة عريقة مثل أكسفورد؟
الحقيقة أنى استمعت كثيراً بالدراسة هناك، وخاصة أنى قضيت سنوات الدراسة بتفوق، وعينت كمعيد بالجامعة لمدة سنتين، كما عرض على البقاء هناك ومع ذلك قررت العودة، فلم تكن فى ذلك الوقت هناك أية أسباب تدعونا للبقاء بالخارج خاصة وأن إدارة جامعة الخرطوم حينئذ كانت لا تألوا جهداً فى توفير كل ما يحتاج إليه الباحث بغية تحقيق التقدم العلمي الذى كانت معظم الدول العربية تطمح إليه فى هذا التوقيت، هذا بالإضافة إلى المكانة العالية التى كان العلماء والباحثين يحظون بها فى بلدانهم حينها. لذا عدت الى السودان حيث عملت هناك لمدة 12 عاماً متواصلة إلى أن أصبحت عميداً لكلية العلوم الرياضية هناك.


• وماذا كانت طبيعة نشاطاتك البحثية بعد عودتك إلى السودان مرة أخرى ؟
عندما عدت إلى السودان عملت لعدة سنوات على تخصصي الذى نلت عنه درجه الدكتوراه، ولكني وجدت أنه من الأنسب والضروري الإفادة فى وضع حلول علمية لبعض المشكلات الموجودة بالفعل هناك، كظاهرة زحف الرمال على الأراضي الزراعية، وعوامل التعريه التى تنشأ بفعل الرياح، ومشكلات التلوث التى يعانى منها السودان. لذا قمت أنا ومجموعة من زملائي فى جامعة الخرطوم بدراسة نماذج الرياح التى تهب على شمال السودان وكذلك منطقة الكثبان الرملية المتكونة بفعلها فى المثلث الواقع بين السودان وليبيا ومصر فى محاولة منا لعمل نماذج رياضية تتيح لنا التعرف الدقيق علي الأمر، وتحليل الظروف البيئية والأسباب التى تقف وراء حدوث هذه الظواهر الطبيعية.
• وهل مازلت تواصل قيامك بهذا العمل حتى الآن، خاصة بعد أن تعددت مهامك الدولية، وما تمخض عنها من أعباء وظيفية تشغل معظم وقتك؟
ربما ليس بذات كثافة الوقت السابقة، ولكن الحقيقة أننى مازلت حريص على مواصلة هذا العمل الذى ظهرت عنه نتائج جيدة ومفيدة ليست للسودان فقط، بل ودول الجوار أيضاً، فقد كانت هذه النماذج الرياضية هى الأولى من نوعها ليس فى المنطقة وحسب، ولكن على مستوى العالم تقريباً.
• وما هى أبرز هذه النتائج ؟
أود أن أوضح أنه فى هذه المنطقة التى أشرت إليها سابقاً لا يوجد من العوامل الطبيعية سوى الرمال والرياح، لذا فقد عمدنا لدراسة كيف تتسبب الرياح فى تحريك كتلة الرمال فى اتجاهات معينة بنماذج رياضية معينة ثم تتشكل الكثبان الرملية بعدة أشكال مختلفة. كما تتبعنا حركة حبات الرمال المسببة للتلوث أو ما يعرف بظاهرة Dust Stone ، وهى من الظواهر التى تقف وراء العديد من المشكلات البيئية فى السودان، إذ تتسبب فى تجريد الأرض الزراعية من أهم عناصرها الغذائية ومصدر خصوبتها. وقد كشفت الدراسة عن أن التفاعل بين هذين العنصرين ( الرياح والرمال ) كان معقداً جداً، حيث تبين أن الكثبان الرملية ذات الأشكال المختلفة على علاقة بعدة عوامل هى نوع الرياح وشدتها واتجاهاتها و كذلك طبيعة الرمال الموجودة فى المنطقة وأنواعها وحجم حبيباتها.
• بالنسبة لأكاديمية العلوم للعالم النامي (TWAS)، وبصفتكم المدير التنفيذي لها حالياً، نود أن نلقى الضوء على نشأتها والدور المنوطة القيام به ؟
أنشئت TWAS فى عام 1983، وأشرف على إنشاؤها نخبة من العلماء المتميزين بلغ عددهم 40 عالماً يتقدمهم 10 من الحائزين على جوائز نوبل. ويعتبر العالم الباكستاني محمد عبد السلام هو صاحب الفكرة فى إنشاء الأكاديمية، كما كان أول رئيس لها. وقد وصلت العضوية فى الأكاديمية حالياً إلى ما يزيد عن 800 عضواً . وهى تهدف إلى دعم الأنشطة العلمية فى الدول النامية، كما أنها تسلط الضوء على النجاحات العلمية فى هذه البلدان من خلال منح عدد من الجوائز المتميزة لأبرز العلماء فيها طالما ظلوا باقين فى بلادهم، بحيث تعود الفائدة من جهودهم على بلدانهم.
• وما هى أبرز البرامج التى تقدمها الأكاديمية فى الوقت الحالي؟
لدينا الآن العديد من البرامج يأتى فى مقدمتها :
1. برنامج التعاون بين الجنوب و الجنوب ويعتمد على فتح بعض بلدان الجنوب كالهند والصين والبرازيل وماليزيا التى نجحت فى تحقيق نهضة علمية خلال السنوات الماضية أمام باحثي دول الجنوب التى مازالت تطمح فى تحقيق نوعاً من التقدم العلمي . وقد تم تخصيص 250 منحة فى هذه الدول 100 منحة منها خصصتها الهند وحدها. وقد أصبحت هذه سياسة حكيمة معتمدة لدى هذه الدول تمكنهم من الحصول على مساهمات طلبة متميزين. وهناك دول أخرى نجرى مباحثات معها فى هذا الشأن كالمكسيك.
2. برنامج منح الباحثين الشبان منح مالية تعلن عنها الأكاديمية فى كل عام للعلماء والباحثين الشباب فى البلدان النامية والدول الفقيرة والتى تقدر بخمسين منحة قيمة المنحة الواحدة 10.000دولار أمريكي تمنح للباحث كى يستطع استكمال أبحاثه من خلال شراء أدوات أو كيماويات يحتاج إليها للانتهاء من بحثه، كما أنه من الممكن أن تمدد المنحة لمدة سنتين أو ثلاث.
• وما هى الجهات القائمة على تمويل المنح المالية للباحثين الشباب، وكيف تتم عملية الاختيار؟
الحقيقة أن الحكومة السويدية تحرص على تمويل هذه المنح بالكامل، ونحن لدينا نظام قائم على الشفافية الكاملة يعتمد مبدأ التميز والمنافسة فى الاختيار بحيث يتيح لقرابة الخمسمائة باحث التقدم للمنح فى كل عام، على أن تقوم لجنة مخصصة للاختيار بمراجعة هذه الطلبات وتحديد خمسين طلباً تستحق الحصول على المنح، وهو الأمر الذى تفتقد إليه غالبية دول العالم الثالث. ومن المعروف أن نسبة 5 % من بين العلماء فقط هى النسبة القادرة على إحداث التغيير الموجود فى العالم، ولكى تضمن الوصول الى هذه الفئة عليك اعتماد مبدأ التميز والمنافسة وهو ما تحرص عليه الأكاديمية عند المفاضلة فى الاختيار بين الباحثين.
• وما هى أهم المجالات العلمية التى تحفزون الشباب للعمل فيها؟
مجال التكنولوجيا الحيوية، ونحن بدورنا خصصنا 50 منحة سنوية فى هذا المجال نظرا لأهميته لدول العالم النامي. وأنا شخصياً اعتبر أن التنوع الحيوي الموجود لدى هذه الدول أهم ما تملك الآن، والدراسات الحديثة تؤكد على أن 80 % من هذا التنوع موجود فى الدول النامية.وهذا تراث كبيرة تمتلكه هذه الدول وإذا ما لم تحافظ عليه سوف تواجه مشكلات عديدة فى المستقبل.
• لعل كبرى هذه المشكلات هى احتكار شركات الدواء والغذاء الكبري لهذه الموارد تحت طائلة قانون الملكية الفكرية عبر سباق محموم لدى هذه الشركات نحو تسجيل السبق الجينى لهذه الموارد كبراءات اختراع، فما هو تعليقك على هذا الأمر ؟
نعم، ويعود ذلك بالفعل لعدم وجود القوانين، وغياب الوعي لدى هذه الدول فى حماية مواردها . وهناك دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية كشفت عن أن عوائد استفادة هذه الشركات من هذا الاحتكار فى السنة الواحدة يقدر بقرابة ستين بليون دولار، ودون أى استفادة تعود على هذه الدول.
• وتعتقد حضرتك، ما هو الحل لهذه الأزمة الكبيرة التى تواجه هذه الدول؟
الحل فى رفع مستوى البحث العلمي لدى هذه الدول للاستفادة المثلى من مواردها، إضافة إلى ما أشرنا إليه من وجود قوانين تحميها. وهناك تجربة جيدة قامت بها كل من الصين والهند فى هذا الإطار وهو تسجيل هذه الموارد وتوزيعها على مراكز الأبحاث فى بلدان العالم المختلفة، بحيث أنه فى حال أقدمت أى دولة على تسجيل واحدة من هذه الموارد تفشل فى إتمام الأمر بمجرد ثبوت السبق فى التسجيل لدى هذه الدول مالكة هذه الموارد. وأنا بدوري نقلت هذه التجربة لبعض الدول، ولدى علم بأن نيجيريا فى طريقها لعمل نفس الشيء بعدما درست التجربة الهندية فى هذا الإطار.

• وفى النهاية، وقبل أن أختم حديثي مع سيادتكم، يدفعنى الفضول إلى الاستفسار عن الكيفية التى جاء بها التحاقك بالأكاديمية وبدايات التعرف عليها ؟
جاء التحاقي بالأكاديمية عقب تعرفي على العالم الباكستاني الشهير عبد السلام الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء، فقد كان سعيداً جداً بجهودي البحثية فى بلدي السودان، وكان دائماً ما يتابعني ويشجعني ومن هنا نمت العلاقة بيننا كثيراً. وقد طلب منى عبد السلام عمل عدة مؤتمرات عن هذه الأنشطة البحثية فى تريستا مقر الأكاديمية بإيطاليا فيما بعد، وهناك أيضاً تعرفت على العالم المصري البارز فاروق الباز وكان ذلك عام 1979. وعندما اعتزم عبد السلام إنشاء الأكاديمية دعانى للذهاب الى تريستا لمدة 6 أشهر لمساعدته فى تحقيق الأمر، ثم طلب منى فيما بعد عندما قدمت الحكومة الإيطالية إليه منحة مقدارها 2 مليون دولار المكوث معه لمدة سنة أخرى للاشتراك فى إتمام عملية إنشاء الأكاديمية، وأصبحت السنة سنتان وثلاث إلى أن أصبحت الأكاديمية مقر عملي الدائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار منشور على مجلة العربي الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق