بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

د. إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق في حواره مع " الفجر": البناء القومي السليم لا يتأتي إلا في الفصل والمعمل


أجرى الحوار- د. عبد الهادي مصباح – أحمد بلح:

- أصبح الانطباع السائد أن أول مصريين حكموا مصر لم يستطيعوا الصمود في حرب استمرت 6 ساعات
- هجرة أساتذة الجامعات بعد النكسة تمثل جزء من أزمة التعليم والبحث العلمي في مصر حتى الآن

السيرة الذاتية لحضرتك تمتلئ عن آخرها بمناصب قيادية وعضوية مراكز علمية عالية المستوى، وتظهر أيضاً أنك ابليت بلاءاً حسناً، كما يبرز منها السمات الأساسية التى يجب أن يتمتع بها (الحكيم)، وأنا أقصد تلك اللفظة التى غابت كثيراً عن عالمنا الآن ؟
أنا شخصياً أعتقد بأنه لا شئ يمكن أن يربي الإنسان مثل الشعور بالألم واليتم، وهذا ما عانيت منه في صغري منذ سنوات التربية والتنشة، فقد ماتت أمي - رحمها الله - وأنا في سن 4 سنوات، كما مرض والدي عام 1938 وكنت حيئذ طالب في الثانوية العامة القديمة ( 5 سنوات )، فأكرمني ربي بأن أكون الخادم الخاص له خلال 7 سنوات هي فترة مرضه، كما أني لا أنسى مشهد أمي وهى تتألم، فقد أصيبت بأول حالة ذبحة صدرية تكتشف في تاريخ مصر، وكان ذلك سنة 1929، وقتها كنا نسكن في المنيل، عندما ذهب أبي مسرعاً في فجر أحد الأيام طالباً النجدة من بيت النواب في القصر العيني، ونادى على النائب النوبطجي، كان بول غليونجي – رحمه الله – فجاء ومعه د. مصطفي الديواني ابن خالي. وأنا ما زلت لا أنسى هذا المشهد حتى الآن، وما زالت خطوطه ترتسم في خيالي، وقد ولدت لدى انطباعاً بقيمة الطبيب، وأنه يمثل المعونة والنجدة للمريض في أي وقت يحتاج إليه .
كما أني ايقنت خلال هذه الفترة أيضاً بدو الرعاية الواجبة على الطبيب تجاه مريضه، تأسياً بالدكتور أنيس سلامة رئيس قسم الأمراض الباطنة في القصر العيني، وهو جار لنا أيضاً، الذي دأب على زيارة والدي يومياً للاطمئنان على صحته، طيلة 7 سنوات كاملة هي مدة مرضه، حتى توفاه الله .
وهل لهذه الأسباب جاء اختيارك لكلية الطب عند بلوغك المرحلة الجامعية ؟
نعم، على الرغم من أن أبي كان من رجالة الشرطة، وأخي الأكبر تخرج من كلية الزراعة وعين معيداً في زراعة الأسكندرية، فكنت في قرارة نفسي طواق للالتحاق بكلية الطب، ولكن نظراً لحالة والدي الصحية وما أجده من تفوق أخي أسرت السلامة، وصرحت لأبي برغبتي في دخول كلية الزراعة أسوة بأخي، قائلاُ إنها 4 سنوات فقط بدلاً 7 سنوات هي عدد سنوات الدراسة في كلية، لكن والدي بفطنة المعهودة أدرك حقيقة رغبتي وتوجهي، ورد على قائلاً " كنت أتمني أن يلتحق أحدكم بكلية الطب" وعليها قلت له " خلاص ما دامت هذه رغبتك " .. وقد كان.
في محاضرة لك بجامعة المنصورة، حاضرت حول " السلوك والخلق والعطاء في مهنة الطب" ؟ هل ترى حضرتك أن التنشئة التى يربى عليها الآن خريجي كليات الطب، وكذلك الأسلوب الذي يتعلم به الآن مناسب وكافي؟
الطبيب يحتاج دائماً جملة أشياء لابد من توافرها يأتي في مقدمتها عنصر التكوين، وأنا شخصيا لي ورقة في هذا الموضوع الهام، اعتمدت فيها على مرجعين قيميين الأول هو (الأسرة) لأستاذ القانون الجنائي د. على راشد، والثاني د. سعيد إسماعيل على عن (التنشئة الوطنية للإنسان المصري) . ومن خلال هذه الورقة ركزت على عدد من النقاط وهي أن ينعى هم من حوله، أن يتعود خدمة الغير تأهيلاً لخدمة المجتمع ، أن يعد للمشاركة المؤسسية، الإحساس بالمجموع والرغبة فى خدمة الغير، هذه جميعاً أسس للتنشئة السليمة.


حضرتك عاصرت مراحل مختلفة وتغيرات عدة طرأت على مسيرة التعليم في مصر، منذ أن كانت الجامعات المصرية تحتل مكانة مرموقة، والآن أصبح الأمر غير ذلك، فما هو تعليقك على هذه القضية ؟
أعتقد أن مصر لم تعط التعليم حقه، والاهتمام الكافي بقدر اهتمامها بالبنية التحتية والجيش والشرطة، إذ تم ذلك على حساب قضية التعليم والبحث العلمي. وأذكر أنه عندما سافرت الى انجلترا لاستكمال تعليمي، أن تصنيف الجامعات المصرية كان يأتي بعد كندا ويتقدم على جامعات أستراليا وجنوب أفريقيا والهند وهي جميعاً دول كان خريجوها يقصدون بريطانيا للتزود من العلم في جامعاتها المرموقة.
ولابد بأن نؤمن بأن الدول لا تبنى إلا في الفصل والمعمل، وإذا لم يكن صانع القرار الأول مؤمن بذلك، نفس مستوى الطالب الذي يلتحق بأي مجال إن لم يكن أساسه التعليمي قوي، ينعكس ذلك على مستواه المهني في أ] مجال يرتاده.
ولكن هل ترى في أن الشعب المصري يؤمن بالتعليم ؟
بلا أدني شك، فالفلاح البسيط على استعداد لأن يبيع كل ما لديه لكي يرى أحد أبنائه يحصل على الدكتوراة مثلاً. أصبح الحق في التعليم من المفاهيم الجديدة والإنجازات التى حققتها الثورة. لقد فطن القائمون على الثورة أهمية اشباع المصريين من هذا الباب، فأصبح التعليم حق لكل المصريين على اختلاف طبقاتهم.
بعد قيام الثورة، بدأ المصري يعتقد في أن فرد واحد متعلم في الأسرة كفيل بأن يغير من حالها بالكامل، مستوى ثقافتها، درجة تحضرها، مستواها المادي. لقد تولد لدى المصريين بعد الثورة، وعلى مختلف مستوياتهم، إيمان كامل بقضية التعليم.
وإن كنت شخصياً أرى أنه لم يتم التحضير الكافي لذلك، فالكلية التى تم اعدادها لكي تستوعب 300 أصبح أعداد طلابها 3000، وهناك كليات تقدر الأعداد فيها بعشرات الآلاف، لذا كانت النتيجة تكدس الجامعات وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين. ففتح أبواب الجامعات على مصراعيها كانت خير كبير للناس، ولكن عدم التحضير لذلك انعكس على مسيرة التعليم على مستوى الدولة بشكل سلبي.
وفي رأي سيادتكم، ما هي النقطة الفارقة التى أدت إلى هذا التحول؟
أعتقد أن هزيمة 67 كانت نقطة فارقة في تاريخ مصر، فمصر كانت تضع التعليم على رأس أولوياتها حتى هذا التاريخ، أم ما تلى ذلك من قرارات عاطفية جاء نتيجة اليأس الذي تمخض عن هذه التجربة المريرة والإحساس بالهزيمة، وأصبح الانطباع السائد أن أول مصريين حكموا مصر لم يستطيعوا الصمود في حرب استمرت 6 ساعات. لقد الحرب كسرت الطموح والأمل الموجودين لدى أبناء هذا الوطن.
وهل حدثت توابع أخرى لهزيمة 67؟
نعم، بعد هزيمة 67، بدأ نزيف الهجرة بين المصريين، خاصة ممن لم يحتملوا أمر الهزيمة. واتذكر أني كنت أحد أعضاء إحدى اللجان بالمجلس الأعلى للجامعات التى تجيز سفر الأساتذة بالخارج، وكان يعرض علينا سنوياً قرابة 300 أو 400 طلب سفر لأشخاص حاملين للدكتوراة يرغبون في الهجرة أو الإعارة أو حتى السفر لدول الخليج، بينهم من وصل في جامعته لدرجة العميد. وكان تعليقي على ذلك الوضع بأننا نبيع مستقبلنا.
لقد كانت فترة ضغط سياسي وإقتصادي ولكن الأخطر من ذلك كان الضغط النفسي الذي تولد لدى المصريين. لقد أصبح هذا هو الخطر الأكبر الذي برز خلال تلك المرحلة، وهو ما استجلب معه نوعيات جديدة من المرض لم نسمع بها من قبل في مصر، مثل تقرحات القولون مثلاً، فلم نكن نسمع بها من قبل ذلك التاريخ، لدرجة أنه عندما كان أحد التلمذة يسأل عن مثل هذه الأمراض، كانت الإجابة الموجزة بأنها أمراض لم تدخل مصر بعد.
واتذكر أنني وصفت حال المصريين في هذه المرحلة بأننا نعيش حالة من الإكتئاب الجموعي أو الإكتئاب القومي، وهو ما استدعى أحمد بهاء الدين رحمة الله عليه للتعليق على هذا المصطلح في إحدى مقالاته بأنك أول من يدخل هذا المصطلح إلى العربية.
لكن تكن هناك محاولة بعد يونيه 67 لإعادة بحث الروح من جديد في منظومة التعليم والبحث العلمي؟
وما أود الإشارة إليه هنا في هذا الصدد، أن خطة البعثات في مصر بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 5000 مبعوث كان من بينهم د. مصطفى خليل و د. عزيز صدقي و د. عبد العزيز حجازي و د. مصطفى الجبلي و د. عبد الفتاح القصاص و د. مصطفى طلبة، وهؤلاء جميعاً أصبحوا فيما بعد بناة، واستمر الوضع هكذا إلى أن دخلنا للأسف في غيبوبة بعد توقفت حركة البعثات التى كانت بمثابة جرعة حياة تحقن في الفرد لكي يعبر من زمن إلى زمن. ولكن للأسف إنه بعد 67، رفع شعار أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وكان نتيجة ذلك أن تقاعس حق مصر في أولادها، وتراجعت مسيرة التعليم.
لذا جاء بيان 30 مارس 1968 كمحاولة لبث الروح في قطاعات التعليم والبحث العلمي من جديد، حيث صدر قرار إنشاء أكاديمية البحث العلمي كمظلة قومية لرعاية وتنمية والإنفاق على البحث العلمي لمجاراة التقدم العلمي الهائل الذي جري ومازال على المستوى العالمي.
المبادرة الثانية، كان إطلاق المجالس القومية المتخصصة لخدمة كافة مجالات الحياة، وكميزان لحركة تطور الوطن، عبر الاستفادة من الخبرات المكتنزة لدي أبناء هذا الوطن، حيث كان يتصور لها أن تكون همزة الوصل بين أهل الخبرة ورأس الدولة، لأن بعد الثورة أصبح الاعتماد على أهل الثقة أكبر وأعظم مما أدى لتراجع وانكماش دور أهل الخبرة وهو ما انعكس سلبياً على الحياة العامة في مصر.
واعتقد أن هاتين المبادرتين كانتا بمثابة بصيص من النور، البلد كانت في حاجة إليه.
استكمالاً لما تقوله حضرتك، كل المناصب التى شغلتها تتركز في 3 اتجاهات: التعليم والصحة والبحث العلمي، وهذه المجالات هي ذاتها الركائز الأساسية لقيام التنمية في أي بلد، فما هي العناصر الذي تنقصنا في مصر لكي تتحقق التنمية المرجوة ؟
التنمية ترتكز على عدة عوامل هى الصحة، التعليم، التنمية البشرية، البحث العلمي، وأخيراً العامل النفسي والذي يتمثل في الثقافة، الانتماء، الإخلاص، السلوك، الشعور بالأمل. وهذا الكلام ليس من بنات أفكاري، وإنما أكد عليه نهرو واحد من قمم الفلاسفة في القرن العشرين يقول" يوجد ثلاث منظومات لبناءالتنمية الأولي هي منظومة القيم، وجاءت هذه المنظومة قبل الصحة والتعليم، ثانيها منظومة التكوين البشري، والثالثة هي منظومة التكوين الاجتماعي" وفيما يتعلق بنا في مصر هو هجوم الكم على الكيف، أين طه حسين، توفيق الحكيم، سليمان حزين هؤلاء جميعاً جاءوا إفراز جودة التعليم، وهذا ما نفتقد إليه الآن.
اتذكر حادثة اشاعتها الصحافة حول أحد شباب الخريجين الجدد ويدعي عزت عبد الموجود عن كتب مقالاً عن تطوير التطوير، وكنت حضرتك وقتها نائب رئيس جامعة القاهرة، وقد أمرت بتعيينه مستشاراً لرئيس الجامعة على الرغم من أن عمره وقتها كان لا يتجاوز 27 عاماً ؟
نعم وبالفعل عمل عزت كمستشار للدكتور فتحي سرور عندما كان وزيراً للتعليم، وظل في منصبه هذا إلى أن انتقل الدكتور سرور إلى رئاسة مجلس الشعب.
وفي هذه الأثناء، اقترحت على رئيس الجامعة آنذاك الدكتور حسن بيه إسماعيل، إنشاء دورة اعداد المدرس الجامعي بهدف اعطاء العاملين في الجامعة خبرات تربوية عن كيفية التعامل مع الطالب الجامعي، اتذكر أنني اسندت مهمة وضع التصور المبدئي واللبنات الأساسية لهذا المشروع الي ثلاثة من الخبراء في هذا المجال هم د. سليمان حزين ود. القوصي بيه ود. حسن قطب، وكان عزت عبد الموجود أحد التربويين العاملين فى هذا المشروع. ونجحت الفكرة، وانتقلت فيما بعد الى جامعة عين شمس ثم الى جامعة الأسكندرية، كما أصبحت جزءا من القانون، حيث أصبح لزاما على أي طالب دكتوراه اجتياز دورة لهذا الغرض مدتها 3 أشهر، ولكن للأسف الشديد لم تستمر الفكرة داخل ذات الإطار الذي بدأت فيه، فبمجرد أن تركت منصبي جاء من بعدي ليقول ما لنا والإدارة وفرغت الفكرة الآن من المضمون الذي وضعت من أجله .
لكن لماذا يتم اجهاض مثل هذه الأفكار والمشاريع التى تمخضت عن رؤى ثاقبة ودراسات وجهود مكثقة لعلماء يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة، الكثير من هذه المشروعات يتم وأده حتى قبل أن يبدأ، فما هو السر وراء ذلك؟
يمكن تلخيص الإجابة في جملة قالها العالم والمفكر الراحل جمال حمدان يصف فيها حال مصر، حيث قال "إن مصر هي العقل المكتسح والجسم الكسيح" . فدائما ما تنطلق أفكار ذات مستو رفيع، ولكن يطغى عليها في مراحل التنفيد كل رواسب المجتمع، وهو ما يؤدي لفشل الكثير من الأفكار والمشاريع.
خدمة في فلسطين، وهناك جاء لقاءك الأول مع الرئيس المصري جنال عبد الناصر، نود أن نسمع منك قصة هذا اللقاء ؟
أنا خدمت في فلسطين 6 أشهر في عام 1948، وتحديداً من مايو حتى يناير 1949. من المعروف أن الحرب قامت 15 مايو 1948 ثم أعلنت الهدنة في 6 يونيه، واتذكر هذا اليوم جيداً حيث زارنا الملك على الجبهة، ويومها وزعوا علينا ساعات كهدايا، ومازلت احتفظ بساعتي هذه حتى الآن، وخلال فترة الهدنة كنا وبقية أفراد دفعتي، قرابة 10 أفراد، نتبادل الزيارات، وكان من بين هؤلاء محمد صفوت أستاذ المالك البولية - رحمه الله - هو كان في منطقة تعرف بالمجدل، وكنت أنا في منطقة العجوة، لذا ركبت سيارة أجرة لزيارته وهناك سألت على مكانه، فأشار أحد الأشخاص إلى الخيمة التى يقيم بها، وهناك جلسنا نتبادل الحديث، ولكنه نبهني إلى ضرورة الكلام بصوت خفيض مشيراً إلى شخص بجواره نائم يستريح على أحد الأسرة، قائلاً لي – في إشارة إلى هذا الشخص - إنه كان مستقيظاً طوال الليل، والذي اتضح لي فيما بعد أنه كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبالطبع وقتها لم أكن أعرفه، حيث كان ما يزال برتبة صاغ.
وتمر الأيام، وبعد حوالي سنتين دعيت إلى حفل زواج حافظ اسماعيل أحد أفراد دفعة عبد الناصر على بنت أخت أحد أصدقائي المقربين الدكتور محمود خيري، وهناك تقابلنا حيث قدمني له أحد الأشخاص، وعندها التفت إلى قائلاً" مش أنت اللي جيت تزور صفوت وأنا نائم" .. ويضحك د. ابراهيم بصوت عالي معلقاً على الموقف بقوله " اتضح أنه كان منتبه لما يجري حوله حتى وهو نائم".
وهل حدث وتقابلت معه بعد ذلك ؟
نعم قابلته بعد الثورة، فعندما اندلعت مظاهرات طلبة الجامعة في ميدان التحرير، حيث كانت مصر مازالت تحت الاحتلال الانجليزي، وقتها كان السيد محمد نجيب رئيساً للجمهورية، وعبدالناصر كما نعرف جميعاً أحد أبرز عناصر الثورة، وقد للمستشفي الذي أعمل يتفقد أحوال الطلاب الذين أصيبوا بجروح في أثناء المظاهرات، وعندما رأني عرفني، وتوجه إلى بالسؤال هل مازلت تتذكرني، وأجبته بنعم.
وما هو الانطباع الذي تركته فيك هذه اللقاءت بعبد الناصر؟
بالفعل لقاء شخص كعبد الناصر لابد وأن يترك انطباع لدي أي إنسان، ففي المرة الأخيرة هذه بدا عليه الإجهاد كمن لم ينم منذ شهر كامل، فهو شخص يشعرك بأنه قادر على تحمل المسئولية التى تلقى على عاتقه، أيضاً تولد لدى الإحساس بأنه شخص مندفع لأن يصبح معروفاً لدى عامة الناس، وقد كان. من ناحية أخرى، عندما تنظر في وجهه تشعر بمصريته، فملامح وجهه مصرية بالكامل، كما أنها تعطيك انطباع بأنك أمام شخص طيب القلب.
وهل أصبحت فيما بعد طبيبه الخاص؟
لا لم أكن الطبيب الخاص لسيادته، وإنما دأبت أسرته على استدعائي عندما تحل أي مشكلة طبية لأحد أفرادها.
كيف ترى الرئيس الراحل محمد أنور السادات خاصة وأنك قد عملت معه لمدة 4 سنوات؟ واخترت كوزير في عهده؟
هو توليفة من الشخصيات ومن الصعوبة أن تحدد شخصيته في كلمات محدودة.
وكيف جاءت علاقتك بالسيدة أم كلثوم؟
بداية أنا ممن يعشقون صوت أم كلثوم، وقدر لي الله أن أجرى جراحة لأحد عازفي الكمان في فرقتها، وللاطمئنان على صحته، كانت تتحدث إلى كل يوم في التليفون للسؤال عن صحته، وكانت تشعر بفرحة عارمة لمجرد أن أؤكد لها عن أن صحته في تحسن.
وماذا عن علاقتك بفضيلة الشيخ الشعراوي؟
لقد وهبه الله ذكاءاً خارقاً وحلاوة في اللسان وقدرة على التعبير، وأنا كنت منتظم في الحضور في جلساته مع سيد بيه جلال رحمه الله أحد مريديه . وكان من حسن حظي دخولي معه الوزارة أنا كوزير للصحة وهو كوزير للأوقاف، ولقد طردنا معاً من الوزارة في ذات اليوم أيضاً. ولا أنسى كلمة الشيخ الشعراوي لرئيس الوزارة السيد ممدوح سالم حيث قال له معلقاً على إعلان السادات لقرار الإقالة " ياسي ممدوح، الحمد لله أنك أذقتنا طعم الوزارة حتى لا نشتهيها مرة أخرى" . والغريب أن الوزارة ظلت تعمل من 11 مايو وحتى 7 أكتوبر إلى أن تشكلت الوزارة الجديدة.
حديقة الأسماك لك معها قصة شيقة وغريبة في ذات الوقت، لذا نود ألا نختم هذا الحوار الشيق مع حضرتك قبل أن نشرك معنا القارئ في تفاصيل هذه الحكاية الطريفة ؟
أنا قرأت كلمة طاعون في منشور كانت ترسلها لنا إحدى الهيئات الصحية العالمية أسبوعياً، وكان توصيفه أنه في الحبشة والسودان وليبيا. عدت الي البيت وخلدت إلى النوم، وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدتني كاتب باللون الأحمر " حديقة الأسماك". وظللت في حيرة من أمرى ما تعني عيارة " حديقة الأسماك " وبعد قرابة ساعة، استطعت الربط بأن النبأ الخاص بالطاعون، والحديقة كمرتع للفئرات والحيوانات الناقلة للطاعون، وعلى الفور اتصلت بمدير مكتبي ، وقلت له كلم أحمد بيه رشدي مدير أمن القاهرة آنذاك، وبلغه ضرورة عمل كردون حول حديقة الأسماك، وبالفعل تم عمل اللازم بالتنسيق مع المهندس إبراهيم شكري وزير الزراعة واستطعنا يومها استخراج أعداد هائلة من الفئران، وبالتالي أنقذ الله مصر من الطاعون .

ـــــــــ
الحوار منشور على صحيفة الفجر المصرية - الملحق الطبي - عام 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق