بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 يناير 2010

عصام حجي.. باحث عربي يغزو المريخ





عصام حجي.. باحث مصري شاب نجح فى العمل بوكالة الفضاء الفرنسية قبل أن يلتحق بوكالة ناسا الأمريكية. جاء إلى مصر فى نوفمبر الماضى مع ثلاثة فرق تضم علماء وباحثين فى مجال الفضاء والجيولوجيا لاختبار عدد من الأجهزة العلمية فائقة الدقة على تربة الصحراء الغربية كنموذج يحاكى طبيعة تربة المريخ. العربي العلمي ألتقى د.عصام قبل أن يعود الى ناسا لاستنباط نتائج التجارب التى تم إجراؤها على مدى عشرة أيام فى الفترة من 6 الى 16 نوفمبر 2005.

فى البداية، نود معرفة كيف كانت رحلتك مع دراسة علوم فى الفضاء فى أوربا ثم أمريكا؟
أثناء دراستى للثانوية العامة بالقاهرة شجعنى زميل لى من جيبوتى على مراسلة الجامعات الفرنسية لدراسة علوم الفضاء التى تعد عشقى الأول منذ أن كنت طفلاً صغيراً. وبعد الثانوية العامة التحقت بقسم الفلك فى كلية العلوم بجامعة القاهرة. وقد نجحت بامتياز، وعلى الفور تم تعيينى معيداً بالكلية.
عاودت مراسلة الجامعات فى أوربا وأمريكا مرة أخرى ، ومن بينها معهد علوم الفضاء بجامعة باريس، وجاءت الموافقة ولكن بعد عدة فصول من الحظ السيئ، حيث حال تجنيدي بالجيش أمام الفرصة الأولى فى حين نجحت الثانية. درست فى باريس الماجيستير ثم الدكتوراه قبل أن تأتينى فرصة الانتقال إلى ناسا.

وماذا كان موضوع رسالة الدكتوراه؟
كان موضوع الرسالة دراسة إمكانية التصوير الراداري على أعماق من 100 متر إلى أكثر من 2000 متر لاستكشاف المياة الجوفية، وكيف يمكن الاستفادة من ذلك فى البحث عن المياه على المريخ، وتحديد الطول الموجي المستخدم، وما هى الخواص الكهرومغناطيسية لسطحه، وكيف يمكن دمج هذه الخواص فى جهاز واحد. وقد كان موضوع رسالة الدكتوراه هو الباب للعمل فى ناسا.

وما هو المنصب العلمي الذى تشغله الآن فى ناسا؟
أشغل منصب رئيس معمل التصوير بالرادار في مركز أبحاث اكتشاف الكواكب والأقمار التابع لوكالة ناسا الأمريكية.

ما هى أبرز التطبيقات التى استخدمت فيها أبحاثك فى هذا المجال؟
توجد الآن مركبتان أمريكيتان هما " مارس إكسبريس" ، و" مارس ريكونيسانس" تقومان بالبحث عن المياه باستخدام ترددات مختلفة حددتها أبحاثي، حيث تبحث الأولى على أعماق 2500 متر بمعدلات دقة قليلة نسبياً، والثانية على أعماق 850 متر ولكن دقتها فى التصوير أكبر.

تم ترشيحك لجائزة أكاديمية العلوم الفرنسية، حدثنا عن طبيعة هذه الجائزة؟
هذه الجائزة مخصصة للباحثين الشباب، وحصلت عليها فى سبتمبر 2003، وأعتقد أن هذه كانت من المرات النادرة جداً التى يحصل فيها عربي على هذه الجائزة، فمن المعروف عن الفرنسيين أنهم متعصبون فى هذا الجانب، حيث يحرصون دائماً على أن يكون الحائز عليها فرنسي، وعلى الرغم من أن هذه الجائزة كانت الأولى لى إلا أنها لم تكن الأخيرة، فقد حصلت فى عام 2005 على جائزتين من ناسا تتمثلان فى مبالغ مالية تقدم لى لدعم مشروعاتى العلمية فى مجال اكتشاف " جيولوجية وفيزيائية الكواكب".

وماهى أهم المهام الفضائية التى تشارك فيها ضمن مهام عملك فى ناسا؟
أهلتني أبحاثي لاستخدام تقنيات التصوير الراداري ليس للمريخ وفقط، وإنما لدراسة العديد من الكواكب الأخرى، فأنا عضو فى العديد من المهام العلمية كمهمة إطلاق المركبة " مارس اكسبريس" وهى ثمرة تعاون بين وكالة الفضاء الأوربية "إيسا" و" ناسا " ، وكذلك المركبة" مارس ريكونيسانس " والمركبة الأوربية "روزيتا" وغيرهم من المهام الأخرى، كما أتيح لى حضور عدة مؤتمرات فى بلدان مختلفة تعد من دول العالم الأول لإلقاء محاضرات حول هذا الموضوع.

وماذا كان رد فعل الطرف الأخر على كونك عربي من دول العالم النامي، ويحاضر عن آخر ما توصل إليه العلم فى مجال الفضاء؟
خلال السنوات الخمس الماضية سافرت للعديد من الدول الأوربية مثل ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وهولندا والنمسا ولدول آسيوية كاليابان بل والى أمريكا نفسها قبل أن يتم تعيينى فى " ناسا " ، وأذكر أنه كثيراً ما كنت أقابل بنوع من الدهشة وأحيانا الاستنكار. وقد تعرضت للتفتيش فى هيوستن الأمريكية لأنى عربي مما أدى الى تأخري عن اللحاق بافتتاح أحد المؤتمرات التى كنت مشاركاً فيها بإلقاء كلمة الافتتاح وبورقة عمل حول إمكانيات استخدام التصوير الراداري فى هذا المجال يوجد فى الغرب الآن عداء لكل ما هو عربي نتيجة سوء الفهم الذى زادت وتيرته بعد أحداث 11 سبتمبر.

وفى هذا الصدد، أذكر أننى دعيت للمحاضرة بأحد أقاليم الجنوب الفرنسي، وعندما دخلت قاعة المحاضرات، قام شخص ليقدمني للجمهور بلغة هذا الإقليم التى لا أفهمها بالطبع، وفجأة حدثت حالة من القلق والضجر داخل القاعة، ولم أكن أعرف السبب غير أنى عرفت فيما بعد أنها بسبب كوني مصري، وقد اعتبروا أن الحكومة الفرنسية تسخر منهم بأن ترسل لهم بشخص مصري ليحاضرهم عن العلم ولم تهدأ الأمور إلا بعد قرابة ساعة من المحاضرة التى لاقت قبولاً لدى الجميع، للدرجة التى جعلت عدد من مسئولي الإقليم ممن توطدت علاقتي بهم تلبى دعوتي لهم على حفل زواجي.

البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض، لماذا المريخ؟
كثير من الناس يعتقد بأن هذه المحاولات من قبيل الترف المادي والعلمي، وهذا كلام خاطئ، حيث أن اكتشاف المريخ يعد خطوة أساسية لفهم طبيعة الأرض التى نعيش عليها و لدراسة التطور المناخي والجيولوجي للأرض، نحتاج دراسة أكثر من جرم داخل المجموعة الشمسية. وقد كانت البداية بالقمر فى الستينات والسبعينيات، ثم الآن المريخ.

ولكن، لماذا المريخ؟
بالنسبة للمريخ، هناك وجه تشابه كبير بينه وبين الأرض، كما أن النظرية العلمية المتفق عليها حالياً فى هذا الشأن هو أنه توأم للأرض، ولهما ماضي مشترك، وهذا يعنى أن المريخ كان فى يوم من الأيام عليه نوع من الحياة البدائية، ومع اختفاء المياه عليه انتهت هذه الحياة، وأصبح على هذه الصورة من الجفاف.
والسؤال الآن لماذا مات كوكب المريخ؟ .. على اعتبار أن السيناريو الذى آل إليه كوكب المريخ هو ذات السيناريو الذى سيؤول إليه كوكب الأرض، بصفتهما توأمان أحدهما أصيب بمرض وراثي، وبالتالى، يتوقع إصابة الأخر. نستطيع القول بأن المريخ بمثابة شباك مفتوح يمكنه أن يعطينا صورة لمستقبل كوكبنا وما الذى سيكون عليه بعد ملايين السنين.

وماهى أهم التطورات التى حدثت فى مجال استكشاف المريخ منذ أول محاولة قامت بها المركبة فايكنج عام 1976 وحتى الآن ؟
ناسا كأي هيئة فى العالم معرضة لأن تقع فى أخطاء، قد تكون هذه الاخطاء إستراتيجية، ومن ضمن ذلك ، خطأ كبير بدأت ناسا فى حله مؤخراً فقط، فقد كانت محاولات الإنزال على سطح الكوكب تحمل نسبة مخاطرة كبيرة جداً لم تعالج إلا فى مركبات مثل " سبيريت " و " أبورتيونيتي".

من ناحية أخرى افترض معي أن هناك آناس يعيشون فى المريخ، وأرادوا استكشاف الأرض، فأرسلوا مركبة هبطت على الصحراء الغربية ستكون النتيجة أنهم سيعتقدون بعدم وجود الحياة هناك، وقد انتبهت ناسا مؤخرا لذلك وقررت السير فى اتجاهين الأول عمل مسح شامل لسطح المريخ، والثانية الاستكشاف المحلى فى مناطق معينة يتم تحديدها بدقة وبعد دراسات مستفيضة.

وما هى أهمية اكتشاف المياه على المريخ؟
فى حال اكتشاف المياه على المريخ سيثبت ذلك احتمالات وجود التشابه مع الأرض، وبالتالى سيصبح من المفترض وجود ماضي ومستقبل مشترك لهما، ولذلك أهمية علمية كبيرة.
وتوجد نظريات فى هذا الشأن، ولكنها تعتمد بشكل أساسى على المشاهدات التى تدل على وجود آثار لوديان جافة وأخرى تشبه المحيطات والبحيرات. أما ما تقوم به ناسا الآن فهو دراسة التكوينات الجيولوجية على سطح المريخ بشكل عملى.
وأود التأكيد على أن ناسا لا تبحث عن جزيئات المياه على سطح المريخ، حيث أنه من المسلم وجودها فى كل كواكب المجموعة الشمسية، فهى موجودة فى الأبخرة الغازية بغلاف المريخ، وإنما ما نبحث عنه هو كميات هذه المياه الموجودة تحت السطح، ومعدلات توزيعها، وعلى أى أعماق توجد.

ولكن، يتردد دائما أن للأرض مشكلاتها التى مازالت تستعصي على الحل، فلماذا الهروب الى المريخ؟
هذا السؤال لا يتردد إلا فى منطقتنا، فأنا لا أسمعه فى أمريكا ولا أوربا، وأود أن أوضح أنه لو كانت استكشافات المريخ تعنى أشخاص، فهى تعنى من يعيشون فى بلداننا العربية قبل أى شخص آخر. فالتقنيات المستخدمة فى تجاربنا تقوم بعمل مسح للمياه على أعماق تصل لأكثر من 2000 متر، وهى التكنولوجيا الوحيدة القادرة على عمل ذلك.
ونحن نعيش فى وطن كل ثرواته تحت الأرض، فهذه التقنيات لو سمح لها بعمل مسح للمنطقة تستطيع أن تدلك ليس فقط على المياه، وإنما أيضاً على البترول، والثروات المعدنية، والآثار، وهناك مشكلات كالألغام التى تهدد حياة البشر، كل ذلك يمكن الكشف عنه بواسطة هذه التقنيات. نحن الآن أمام ثورة جديدة من الممكن أن يكون العرب أكثر المستفيدين منها إذا أرادوا ذلك.

الآن، ومنذ خمس سنوات تقريباً تجرون تجاربكم على أراض مصرية، فلماذا جاء اختياركم تحديداً للصحراء الغربية؟
جاء اختيار الصحراء الغربية نظراً لوجود تشابه بين تربتها وبين تربة المريخ.

وما هى أوجه التشابه بينهما؟
أود أن أشير الى ريادة عالمنا البارز الدكتور فاروق الباز الذى كان أول من أشار لوجود هذا التشابه. كلنا يعرف أن مصر بها أراض صحراوية كبيرة جميعها غنية بكميات كبيرة من المياه الجوفية التى تمتد على أعماق كبيرة تصل لقرابة 2500 متر، وهو ما يتشابه مع ما نقوم بالبحث عنه على المريخ، أضف الى ذلك أن الخواص الكهربية للتربة المصرية تساعد على دخول موجات الرادار لأعماق بعيدة، وذلك غير موجود فى أمريكا على سبيل المثال، حيث أن الرطوبة العالية الموجودة فى التربة تمتص موجات الرادار وتحول دون وصولها لأعماق بعيدة.

أود أن نلقى الضوء على طبيعة التجارب التى تقومون بها فى الصحراء الغريبة؟
هذه المهمة ممولة بشكل كامل من وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا" ، ويشترك فيها ثلاثة فرق عمل من خبراء الفضاء والجيولوجيا، هى مركز دراسات الأقمار والكواكب الأمريكي وهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية تحت قيادة العالم الكبير " ستيفن كليفورد" ، ومركز أبحاث الفضاء الفرنسي، والذى يتولي مهمة إعادة اختبار نموذج رادار مشابه للجهاز الذي تم إطلاقه عبر المركبة الفضائية مارس اكسبريس‏‏ بهدف عمل مقارنه بين النتائج التي تأتى من المريخ والنتائج المأخوذه من الصحراء الغربية. ويشارك الفريقان الأمريكيان في عمل اختبار جهاز ذي تردد مختلف لرصد المياه الجوفية,‏ من المنتظر إطلاقه الي كوكب المريخ عام‏2011.‏ وقد تمت عمليات المسح لهضبة أبو سعيد فى واحة الفرافرة.

وهل توجد مناطق أخرى مرشحة للبحث فيها كمصر؟
بالفعل توجد مناطق نموذجية أخرى لتجاربنا كالصحراء الليبية والصحراء السعودية، وأنا شخصياً أتمنى أن يتسع حيز التجارب لدول عربية أخرى لأن ذلك سيساعدنا على اختبار ردود أفعال الأجهزة فى ظروف جيولوجية مختلفة، كما سيعم بالفائدة على هذه الدول. وأود أن أوضح أن هذا التعاون سيكون بدون أى مقابل، حيث تتولى ناسا تكلفة الأبحاث كاملة. ومن الجدير بالذكر فى هذا الصدد أيضاً أن ناسا تمول فيلماً سينمائياً عن تاريخ الصحراء العربية، أنا أحد المشرفين عليه، وقد عرضنا على الجانب الليبي طلب التصوير هناك بالإضافة الى مصر لكن جاء الرد بالرفض، أنا بالطبع لا أعرف سبب الرفض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق