بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

خطر الغرق يهدد شواطئ مصر والموضوع وكأنه يتعلق ببلاد الواق واق


خطر كبير متوقع يقترب شيئاً فشيئاً من شواطئ مصر يعنى من ناس مصر .. ناس مصر الشأينين ولا حياة لمن تنادي أم الحال كما صوره الدكتور مصطفي طلبة خبير التنمية المصري العالمي وكأن الأمر يخص بلاد الواق واق .. عجبي

طالع نص الخبر كاملاً على صحيفة المصري اليوم

د. إبراهيم بدران وزير الصحة الأسبق في حواره مع " الفجر": البناء القومي السليم لا يتأتي إلا في الفصل والمعمل


أجرى الحوار- د. عبد الهادي مصباح – أحمد بلح:

- أصبح الانطباع السائد أن أول مصريين حكموا مصر لم يستطيعوا الصمود في حرب استمرت 6 ساعات
- هجرة أساتذة الجامعات بعد النكسة تمثل جزء من أزمة التعليم والبحث العلمي في مصر حتى الآن

السيرة الذاتية لحضرتك تمتلئ عن آخرها بمناصب قيادية وعضوية مراكز علمية عالية المستوى، وتظهر أيضاً أنك ابليت بلاءاً حسناً، كما يبرز منها السمات الأساسية التى يجب أن يتمتع بها (الحكيم)، وأنا أقصد تلك اللفظة التى غابت كثيراً عن عالمنا الآن ؟
أنا شخصياً أعتقد بأنه لا شئ يمكن أن يربي الإنسان مثل الشعور بالألم واليتم، وهذا ما عانيت منه في صغري منذ سنوات التربية والتنشة، فقد ماتت أمي - رحمها الله - وأنا في سن 4 سنوات، كما مرض والدي عام 1938 وكنت حيئذ طالب في الثانوية العامة القديمة ( 5 سنوات )، فأكرمني ربي بأن أكون الخادم الخاص له خلال 7 سنوات هي فترة مرضه، كما أني لا أنسى مشهد أمي وهى تتألم، فقد أصيبت بأول حالة ذبحة صدرية تكتشف في تاريخ مصر، وكان ذلك سنة 1929، وقتها كنا نسكن في المنيل، عندما ذهب أبي مسرعاً في فجر أحد الأيام طالباً النجدة من بيت النواب في القصر العيني، ونادى على النائب النوبطجي، كان بول غليونجي – رحمه الله – فجاء ومعه د. مصطفي الديواني ابن خالي. وأنا ما زلت لا أنسى هذا المشهد حتى الآن، وما زالت خطوطه ترتسم في خيالي، وقد ولدت لدى انطباعاً بقيمة الطبيب، وأنه يمثل المعونة والنجدة للمريض في أي وقت يحتاج إليه .
كما أني ايقنت خلال هذه الفترة أيضاً بدو الرعاية الواجبة على الطبيب تجاه مريضه، تأسياً بالدكتور أنيس سلامة رئيس قسم الأمراض الباطنة في القصر العيني، وهو جار لنا أيضاً، الذي دأب على زيارة والدي يومياً للاطمئنان على صحته، طيلة 7 سنوات كاملة هي مدة مرضه، حتى توفاه الله .
وهل لهذه الأسباب جاء اختيارك لكلية الطب عند بلوغك المرحلة الجامعية ؟
نعم، على الرغم من أن أبي كان من رجالة الشرطة، وأخي الأكبر تخرج من كلية الزراعة وعين معيداً في زراعة الأسكندرية، فكنت في قرارة نفسي طواق للالتحاق بكلية الطب، ولكن نظراً لحالة والدي الصحية وما أجده من تفوق أخي أسرت السلامة، وصرحت لأبي برغبتي في دخول كلية الزراعة أسوة بأخي، قائلاُ إنها 4 سنوات فقط بدلاً 7 سنوات هي عدد سنوات الدراسة في كلية، لكن والدي بفطنة المعهودة أدرك حقيقة رغبتي وتوجهي، ورد على قائلاً " كنت أتمني أن يلتحق أحدكم بكلية الطب" وعليها قلت له " خلاص ما دامت هذه رغبتك " .. وقد كان.
في محاضرة لك بجامعة المنصورة، حاضرت حول " السلوك والخلق والعطاء في مهنة الطب" ؟ هل ترى حضرتك أن التنشئة التى يربى عليها الآن خريجي كليات الطب، وكذلك الأسلوب الذي يتعلم به الآن مناسب وكافي؟
الطبيب يحتاج دائماً جملة أشياء لابد من توافرها يأتي في مقدمتها عنصر التكوين، وأنا شخصيا لي ورقة في هذا الموضوع الهام، اعتمدت فيها على مرجعين قيميين الأول هو (الأسرة) لأستاذ القانون الجنائي د. على راشد، والثاني د. سعيد إسماعيل على عن (التنشئة الوطنية للإنسان المصري) . ومن خلال هذه الورقة ركزت على عدد من النقاط وهي أن ينعى هم من حوله، أن يتعود خدمة الغير تأهيلاً لخدمة المجتمع ، أن يعد للمشاركة المؤسسية، الإحساس بالمجموع والرغبة فى خدمة الغير، هذه جميعاً أسس للتنشئة السليمة.


حضرتك عاصرت مراحل مختلفة وتغيرات عدة طرأت على مسيرة التعليم في مصر، منذ أن كانت الجامعات المصرية تحتل مكانة مرموقة، والآن أصبح الأمر غير ذلك، فما هو تعليقك على هذه القضية ؟
أعتقد أن مصر لم تعط التعليم حقه، والاهتمام الكافي بقدر اهتمامها بالبنية التحتية والجيش والشرطة، إذ تم ذلك على حساب قضية التعليم والبحث العلمي. وأذكر أنه عندما سافرت الى انجلترا لاستكمال تعليمي، أن تصنيف الجامعات المصرية كان يأتي بعد كندا ويتقدم على جامعات أستراليا وجنوب أفريقيا والهند وهي جميعاً دول كان خريجوها يقصدون بريطانيا للتزود من العلم في جامعاتها المرموقة.
ولابد بأن نؤمن بأن الدول لا تبنى إلا في الفصل والمعمل، وإذا لم يكن صانع القرار الأول مؤمن بذلك، نفس مستوى الطالب الذي يلتحق بأي مجال إن لم يكن أساسه التعليمي قوي، ينعكس ذلك على مستواه المهني في أ] مجال يرتاده.
ولكن هل ترى في أن الشعب المصري يؤمن بالتعليم ؟
بلا أدني شك، فالفلاح البسيط على استعداد لأن يبيع كل ما لديه لكي يرى أحد أبنائه يحصل على الدكتوراة مثلاً. أصبح الحق في التعليم من المفاهيم الجديدة والإنجازات التى حققتها الثورة. لقد فطن القائمون على الثورة أهمية اشباع المصريين من هذا الباب، فأصبح التعليم حق لكل المصريين على اختلاف طبقاتهم.
بعد قيام الثورة، بدأ المصري يعتقد في أن فرد واحد متعلم في الأسرة كفيل بأن يغير من حالها بالكامل، مستوى ثقافتها، درجة تحضرها، مستواها المادي. لقد تولد لدى المصريين بعد الثورة، وعلى مختلف مستوياتهم، إيمان كامل بقضية التعليم.
وإن كنت شخصياً أرى أنه لم يتم التحضير الكافي لذلك، فالكلية التى تم اعدادها لكي تستوعب 300 أصبح أعداد طلابها 3000، وهناك كليات تقدر الأعداد فيها بعشرات الآلاف، لذا كانت النتيجة تكدس الجامعات وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين. ففتح أبواب الجامعات على مصراعيها كانت خير كبير للناس، ولكن عدم التحضير لذلك انعكس على مسيرة التعليم على مستوى الدولة بشكل سلبي.
وفي رأي سيادتكم، ما هي النقطة الفارقة التى أدت إلى هذا التحول؟
أعتقد أن هزيمة 67 كانت نقطة فارقة في تاريخ مصر، فمصر كانت تضع التعليم على رأس أولوياتها حتى هذا التاريخ، أم ما تلى ذلك من قرارات عاطفية جاء نتيجة اليأس الذي تمخض عن هذه التجربة المريرة والإحساس بالهزيمة، وأصبح الانطباع السائد أن أول مصريين حكموا مصر لم يستطيعوا الصمود في حرب استمرت 6 ساعات. لقد الحرب كسرت الطموح والأمل الموجودين لدى أبناء هذا الوطن.
وهل حدثت توابع أخرى لهزيمة 67؟
نعم، بعد هزيمة 67، بدأ نزيف الهجرة بين المصريين، خاصة ممن لم يحتملوا أمر الهزيمة. واتذكر أني كنت أحد أعضاء إحدى اللجان بالمجلس الأعلى للجامعات التى تجيز سفر الأساتذة بالخارج، وكان يعرض علينا سنوياً قرابة 300 أو 400 طلب سفر لأشخاص حاملين للدكتوراة يرغبون في الهجرة أو الإعارة أو حتى السفر لدول الخليج، بينهم من وصل في جامعته لدرجة العميد. وكان تعليقي على ذلك الوضع بأننا نبيع مستقبلنا.
لقد كانت فترة ضغط سياسي وإقتصادي ولكن الأخطر من ذلك كان الضغط النفسي الذي تولد لدى المصريين. لقد أصبح هذا هو الخطر الأكبر الذي برز خلال تلك المرحلة، وهو ما استجلب معه نوعيات جديدة من المرض لم نسمع بها من قبل في مصر، مثل تقرحات القولون مثلاً، فلم نكن نسمع بها من قبل ذلك التاريخ، لدرجة أنه عندما كان أحد التلمذة يسأل عن مثل هذه الأمراض، كانت الإجابة الموجزة بأنها أمراض لم تدخل مصر بعد.
واتذكر أنني وصفت حال المصريين في هذه المرحلة بأننا نعيش حالة من الإكتئاب الجموعي أو الإكتئاب القومي، وهو ما استدعى أحمد بهاء الدين رحمة الله عليه للتعليق على هذا المصطلح في إحدى مقالاته بأنك أول من يدخل هذا المصطلح إلى العربية.
لكن تكن هناك محاولة بعد يونيه 67 لإعادة بحث الروح من جديد في منظومة التعليم والبحث العلمي؟
وما أود الإشارة إليه هنا في هذا الصدد، أن خطة البعثات في مصر بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 5000 مبعوث كان من بينهم د. مصطفى خليل و د. عزيز صدقي و د. عبد العزيز حجازي و د. مصطفى الجبلي و د. عبد الفتاح القصاص و د. مصطفى طلبة، وهؤلاء جميعاً أصبحوا فيما بعد بناة، واستمر الوضع هكذا إلى أن دخلنا للأسف في غيبوبة بعد توقفت حركة البعثات التى كانت بمثابة جرعة حياة تحقن في الفرد لكي يعبر من زمن إلى زمن. ولكن للأسف إنه بعد 67، رفع شعار أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وكان نتيجة ذلك أن تقاعس حق مصر في أولادها، وتراجعت مسيرة التعليم.
لذا جاء بيان 30 مارس 1968 كمحاولة لبث الروح في قطاعات التعليم والبحث العلمي من جديد، حيث صدر قرار إنشاء أكاديمية البحث العلمي كمظلة قومية لرعاية وتنمية والإنفاق على البحث العلمي لمجاراة التقدم العلمي الهائل الذي جري ومازال على المستوى العالمي.
المبادرة الثانية، كان إطلاق المجالس القومية المتخصصة لخدمة كافة مجالات الحياة، وكميزان لحركة تطور الوطن، عبر الاستفادة من الخبرات المكتنزة لدي أبناء هذا الوطن، حيث كان يتصور لها أن تكون همزة الوصل بين أهل الخبرة ورأس الدولة، لأن بعد الثورة أصبح الاعتماد على أهل الثقة أكبر وأعظم مما أدى لتراجع وانكماش دور أهل الخبرة وهو ما انعكس سلبياً على الحياة العامة في مصر.
واعتقد أن هاتين المبادرتين كانتا بمثابة بصيص من النور، البلد كانت في حاجة إليه.
استكمالاً لما تقوله حضرتك، كل المناصب التى شغلتها تتركز في 3 اتجاهات: التعليم والصحة والبحث العلمي، وهذه المجالات هي ذاتها الركائز الأساسية لقيام التنمية في أي بلد، فما هي العناصر الذي تنقصنا في مصر لكي تتحقق التنمية المرجوة ؟
التنمية ترتكز على عدة عوامل هى الصحة، التعليم، التنمية البشرية، البحث العلمي، وأخيراً العامل النفسي والذي يتمثل في الثقافة، الانتماء، الإخلاص، السلوك، الشعور بالأمل. وهذا الكلام ليس من بنات أفكاري، وإنما أكد عليه نهرو واحد من قمم الفلاسفة في القرن العشرين يقول" يوجد ثلاث منظومات لبناءالتنمية الأولي هي منظومة القيم، وجاءت هذه المنظومة قبل الصحة والتعليم، ثانيها منظومة التكوين البشري، والثالثة هي منظومة التكوين الاجتماعي" وفيما يتعلق بنا في مصر هو هجوم الكم على الكيف، أين طه حسين، توفيق الحكيم، سليمان حزين هؤلاء جميعاً جاءوا إفراز جودة التعليم، وهذا ما نفتقد إليه الآن.
اتذكر حادثة اشاعتها الصحافة حول أحد شباب الخريجين الجدد ويدعي عزت عبد الموجود عن كتب مقالاً عن تطوير التطوير، وكنت حضرتك وقتها نائب رئيس جامعة القاهرة، وقد أمرت بتعيينه مستشاراً لرئيس الجامعة على الرغم من أن عمره وقتها كان لا يتجاوز 27 عاماً ؟
نعم وبالفعل عمل عزت كمستشار للدكتور فتحي سرور عندما كان وزيراً للتعليم، وظل في منصبه هذا إلى أن انتقل الدكتور سرور إلى رئاسة مجلس الشعب.
وفي هذه الأثناء، اقترحت على رئيس الجامعة آنذاك الدكتور حسن بيه إسماعيل، إنشاء دورة اعداد المدرس الجامعي بهدف اعطاء العاملين في الجامعة خبرات تربوية عن كيفية التعامل مع الطالب الجامعي، اتذكر أنني اسندت مهمة وضع التصور المبدئي واللبنات الأساسية لهذا المشروع الي ثلاثة من الخبراء في هذا المجال هم د. سليمان حزين ود. القوصي بيه ود. حسن قطب، وكان عزت عبد الموجود أحد التربويين العاملين فى هذا المشروع. ونجحت الفكرة، وانتقلت فيما بعد الى جامعة عين شمس ثم الى جامعة الأسكندرية، كما أصبحت جزءا من القانون، حيث أصبح لزاما على أي طالب دكتوراه اجتياز دورة لهذا الغرض مدتها 3 أشهر، ولكن للأسف الشديد لم تستمر الفكرة داخل ذات الإطار الذي بدأت فيه، فبمجرد أن تركت منصبي جاء من بعدي ليقول ما لنا والإدارة وفرغت الفكرة الآن من المضمون الذي وضعت من أجله .
لكن لماذا يتم اجهاض مثل هذه الأفكار والمشاريع التى تمخضت عن رؤى ثاقبة ودراسات وجهود مكثقة لعلماء يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة، الكثير من هذه المشروعات يتم وأده حتى قبل أن يبدأ، فما هو السر وراء ذلك؟
يمكن تلخيص الإجابة في جملة قالها العالم والمفكر الراحل جمال حمدان يصف فيها حال مصر، حيث قال "إن مصر هي العقل المكتسح والجسم الكسيح" . فدائما ما تنطلق أفكار ذات مستو رفيع، ولكن يطغى عليها في مراحل التنفيد كل رواسب المجتمع، وهو ما يؤدي لفشل الكثير من الأفكار والمشاريع.
خدمة في فلسطين، وهناك جاء لقاءك الأول مع الرئيس المصري جنال عبد الناصر، نود أن نسمع منك قصة هذا اللقاء ؟
أنا خدمت في فلسطين 6 أشهر في عام 1948، وتحديداً من مايو حتى يناير 1949. من المعروف أن الحرب قامت 15 مايو 1948 ثم أعلنت الهدنة في 6 يونيه، واتذكر هذا اليوم جيداً حيث زارنا الملك على الجبهة، ويومها وزعوا علينا ساعات كهدايا، ومازلت احتفظ بساعتي هذه حتى الآن، وخلال فترة الهدنة كنا وبقية أفراد دفعتي، قرابة 10 أفراد، نتبادل الزيارات، وكان من بين هؤلاء محمد صفوت أستاذ المالك البولية - رحمه الله - هو كان في منطقة تعرف بالمجدل، وكنت أنا في منطقة العجوة، لذا ركبت سيارة أجرة لزيارته وهناك سألت على مكانه، فأشار أحد الأشخاص إلى الخيمة التى يقيم بها، وهناك جلسنا نتبادل الحديث، ولكنه نبهني إلى ضرورة الكلام بصوت خفيض مشيراً إلى شخص بجواره نائم يستريح على أحد الأسرة، قائلاً لي – في إشارة إلى هذا الشخص - إنه كان مستقيظاً طوال الليل، والذي اتضح لي فيما بعد أنه كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبالطبع وقتها لم أكن أعرفه، حيث كان ما يزال برتبة صاغ.
وتمر الأيام، وبعد حوالي سنتين دعيت إلى حفل زواج حافظ اسماعيل أحد أفراد دفعة عبد الناصر على بنت أخت أحد أصدقائي المقربين الدكتور محمود خيري، وهناك تقابلنا حيث قدمني له أحد الأشخاص، وعندها التفت إلى قائلاً" مش أنت اللي جيت تزور صفوت وأنا نائم" .. ويضحك د. ابراهيم بصوت عالي معلقاً على الموقف بقوله " اتضح أنه كان منتبه لما يجري حوله حتى وهو نائم".
وهل حدث وتقابلت معه بعد ذلك ؟
نعم قابلته بعد الثورة، فعندما اندلعت مظاهرات طلبة الجامعة في ميدان التحرير، حيث كانت مصر مازالت تحت الاحتلال الانجليزي، وقتها كان السيد محمد نجيب رئيساً للجمهورية، وعبدالناصر كما نعرف جميعاً أحد أبرز عناصر الثورة، وقد للمستشفي الذي أعمل يتفقد أحوال الطلاب الذين أصيبوا بجروح في أثناء المظاهرات، وعندما رأني عرفني، وتوجه إلى بالسؤال هل مازلت تتذكرني، وأجبته بنعم.
وما هو الانطباع الذي تركته فيك هذه اللقاءت بعبد الناصر؟
بالفعل لقاء شخص كعبد الناصر لابد وأن يترك انطباع لدي أي إنسان، ففي المرة الأخيرة هذه بدا عليه الإجهاد كمن لم ينم منذ شهر كامل، فهو شخص يشعرك بأنه قادر على تحمل المسئولية التى تلقى على عاتقه، أيضاً تولد لدى الإحساس بأنه شخص مندفع لأن يصبح معروفاً لدى عامة الناس، وقد كان. من ناحية أخرى، عندما تنظر في وجهه تشعر بمصريته، فملامح وجهه مصرية بالكامل، كما أنها تعطيك انطباع بأنك أمام شخص طيب القلب.
وهل أصبحت فيما بعد طبيبه الخاص؟
لا لم أكن الطبيب الخاص لسيادته، وإنما دأبت أسرته على استدعائي عندما تحل أي مشكلة طبية لأحد أفرادها.
كيف ترى الرئيس الراحل محمد أنور السادات خاصة وأنك قد عملت معه لمدة 4 سنوات؟ واخترت كوزير في عهده؟
هو توليفة من الشخصيات ومن الصعوبة أن تحدد شخصيته في كلمات محدودة.
وكيف جاءت علاقتك بالسيدة أم كلثوم؟
بداية أنا ممن يعشقون صوت أم كلثوم، وقدر لي الله أن أجرى جراحة لأحد عازفي الكمان في فرقتها، وللاطمئنان على صحته، كانت تتحدث إلى كل يوم في التليفون للسؤال عن صحته، وكانت تشعر بفرحة عارمة لمجرد أن أؤكد لها عن أن صحته في تحسن.
وماذا عن علاقتك بفضيلة الشيخ الشعراوي؟
لقد وهبه الله ذكاءاً خارقاً وحلاوة في اللسان وقدرة على التعبير، وأنا كنت منتظم في الحضور في جلساته مع سيد بيه جلال رحمه الله أحد مريديه . وكان من حسن حظي دخولي معه الوزارة أنا كوزير للصحة وهو كوزير للأوقاف، ولقد طردنا معاً من الوزارة في ذات اليوم أيضاً. ولا أنسى كلمة الشيخ الشعراوي لرئيس الوزارة السيد ممدوح سالم حيث قال له معلقاً على إعلان السادات لقرار الإقالة " ياسي ممدوح، الحمد لله أنك أذقتنا طعم الوزارة حتى لا نشتهيها مرة أخرى" . والغريب أن الوزارة ظلت تعمل من 11 مايو وحتى 7 أكتوبر إلى أن تشكلت الوزارة الجديدة.
حديقة الأسماك لك معها قصة شيقة وغريبة في ذات الوقت، لذا نود ألا نختم هذا الحوار الشيق مع حضرتك قبل أن نشرك معنا القارئ في تفاصيل هذه الحكاية الطريفة ؟
أنا قرأت كلمة طاعون في منشور كانت ترسلها لنا إحدى الهيئات الصحية العالمية أسبوعياً، وكان توصيفه أنه في الحبشة والسودان وليبيا. عدت الي البيت وخلدت إلى النوم، وعندما استيقظت لصلاة الفجر وجدتني كاتب باللون الأحمر " حديقة الأسماك". وظللت في حيرة من أمرى ما تعني عيارة " حديقة الأسماك " وبعد قرابة ساعة، استطعت الربط بأن النبأ الخاص بالطاعون، والحديقة كمرتع للفئرات والحيوانات الناقلة للطاعون، وعلى الفور اتصلت بمدير مكتبي ، وقلت له كلم أحمد بيه رشدي مدير أمن القاهرة آنذاك، وبلغه ضرورة عمل كردون حول حديقة الأسماك، وبالفعل تم عمل اللازم بالتنسيق مع المهندس إبراهيم شكري وزير الزراعة واستطعنا يومها استخراج أعداد هائلة من الفئران، وبالتالي أنقذ الله مصر من الطاعون .

ـــــــــ
الحوار منشور على صحيفة الفجر المصرية - الملحق الطبي - عام 2008

عربي يقود العالم لتطوين العلم بالبلدان النامية


أجرى الحوار – أحمد بلح:
أحب العلم فانتقل وراءه سعياً فى طلبه من بلاد الشرق إلى بلاد الغرب، وبعدما أدرك أهميته قرر أن يعود إلى المشرق مرة أخرى ليفيد بلاده بما جمعه من علم. وعندما جاءته الفرصة ليوسع من نطاق تجربته لم يتردد فى الانضمام إلى عدة منظمات دولية تسعى إلى توطين العلم فى بلدان العالم النامي.

إنه العالم العربي السوداني الجنسية الدكتور محمد حسن المدير التنفيذي لأكاديمية العلوم للعالم النامي (TWAS)، ورئيس الأكاديمية الأفريقية للعلوم ( AAS ) ، والسكرتير العام لشبكة العالم الثالث للمنظمات العلمية (TWNSO ).

العربي العلمي ألتقى د. حسن على هامش مؤتمر " بيوفيجن الأسكندرية 2006 " العالمي الثالث للتكنولوجيا الحيوية، الذى أقيم بمدينة الأسكندرية فى مصر فى الفترة من 26 إلى 29 من شهر أبريل الماضي، وحضره نخبة من العلماء وقادة العلم وصناع القرار فى العالم، يتقدمهم 120 متحدثاً بينهم خمسة علماء من الحائزين على جوائز نوبل فى العلوم.


• فى البداية نود التعرف على التخصص الأساسي لحضرتك ؟
أنا حصلت على رسالة الدكتوراه من جامعة أكسفورد بإنجلترا عام 1974، فى الفيزياء النظرية وبالتحديد على مجال فيزيا البلازما أو ما يطلق عليه بالإنجليزية Nuclear Fusion، وقد كان عمري وقتئذ 27 عاماً. و جاءت رسالتي ضمن مشروع دولي ضخم جداً يحاكى عمليات إنتاج الطاقة الشمسية من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية التى تتم على مستوى الأنوية الذرية أو ما اصطلح على تسميته التفاعل الإندماجي. وفد بدأت علاقتى بهذا المشروع الذى يعرف بالمفاعل الإندماجي " إيثر" منذ قرابة ثلاثين عاماً، حيث كان وقتها مازال فى البدايات، وكانت الدول الكبري تبنى عليه أمالاً كبيرة جداً، حيث يشترك فيه بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وكندا، بعض الدول النامية كالهند، والصين والبرازيل.
• وما هى أهمية الحصول على هذا النوع من الطاقة ؟
لهذا المشروع أهمية كبيرة، حيث أنه بموجبه يمكن الإجابة الدقيقة عن إمكانية إتاحة هذا النوع من الطاقة من خلال المفاعلات المخصصة لهذا الغرض أم لا، وفى حال إمكانية تحقيق ذلك سيكون ذلك نجاحاً هائلاً، حيث أنه يمتاز بقدرته على إنتاج كم هائل من الطاقة لم تصل إليه البشرية من قبل، بالإضافة إلى ما تتميز به من كونها نظيفة، إذ أن ما ينتج عنها من ملوثات يكون بنسب متدنية جداً إذا ما قورنت بالأنواع الأخرى الموجودة حالياً، وبالتحديد ما يعرف من أنواع الطاقات التقليدية كالفحم والبترول أو حتى الجديدة والمتجددة كالطاقة النووية.
• ولكن، كيف جاءت قصة سفرك إلى جامعة أكسفورد؟
بالفعل، تقف وراء سفري الى لندن قصة طريفة جداً، فأنت تعلم أن الغالبية من الشباب بعد المرحلة الثانوية فى البلدان العربية وبخاصة المتفوقين منهم فى أقسام العلوم والرياضيات لا يبغون غير الالتحاق بواحد من اثنتين من الكليات إما الطب أو الهندسة. وقد كنا فى السودان نلتحق بكلية العلوم لمدة سنتين على أن يأتى التخصص فى السنة الثالثة. ونظراً لرغبة الجامعة فى تعزيز أعداد أساتذة الرياضيات والفيزياء داخل الجامعة أعلنوا عن وجود منح للدراسة فى جامعة أكسفورد بإنجلترا فى هذين التخصصين للمتفوقين، وقعدوا يلحقون على لقبول ذلك الأمر وقد أوهمتهم بقبولي ولكن فى قرار نفسي كنت مقرراً الالتحاق بكلية الهندسة. وبالفعل، ومع بدايات العام الجديد التحقت بالهندسة ولكن بعد مرور قرابة ثلاثة شهور أدركت أنى أحب الرياضيات أكثر من أى تخصص أخر فى الهندسة، وعليه قررت السفر حتى يتسنى لى التخصص فى دراسة الرياضيات.
• وكيف كانت سنوات الدراسة فى جامعة عريقة مثل أكسفورد؟
الحقيقة أنى استمعت كثيراً بالدراسة هناك، وخاصة أنى قضيت سنوات الدراسة بتفوق، وعينت كمعيد بالجامعة لمدة سنتين، كما عرض على البقاء هناك ومع ذلك قررت العودة، فلم تكن فى ذلك الوقت هناك أية أسباب تدعونا للبقاء بالخارج خاصة وأن إدارة جامعة الخرطوم حينئذ كانت لا تألوا جهداً فى توفير كل ما يحتاج إليه الباحث بغية تحقيق التقدم العلمي الذى كانت معظم الدول العربية تطمح إليه فى هذا التوقيت، هذا بالإضافة إلى المكانة العالية التى كان العلماء والباحثين يحظون بها فى بلدانهم حينها. لذا عدت الى السودان حيث عملت هناك لمدة 12 عاماً متواصلة إلى أن أصبحت عميداً لكلية العلوم الرياضية هناك.


• وماذا كانت طبيعة نشاطاتك البحثية بعد عودتك إلى السودان مرة أخرى ؟
عندما عدت إلى السودان عملت لعدة سنوات على تخصصي الذى نلت عنه درجه الدكتوراه، ولكني وجدت أنه من الأنسب والضروري الإفادة فى وضع حلول علمية لبعض المشكلات الموجودة بالفعل هناك، كظاهرة زحف الرمال على الأراضي الزراعية، وعوامل التعريه التى تنشأ بفعل الرياح، ومشكلات التلوث التى يعانى منها السودان. لذا قمت أنا ومجموعة من زملائي فى جامعة الخرطوم بدراسة نماذج الرياح التى تهب على شمال السودان وكذلك منطقة الكثبان الرملية المتكونة بفعلها فى المثلث الواقع بين السودان وليبيا ومصر فى محاولة منا لعمل نماذج رياضية تتيح لنا التعرف الدقيق علي الأمر، وتحليل الظروف البيئية والأسباب التى تقف وراء حدوث هذه الظواهر الطبيعية.
• وهل مازلت تواصل قيامك بهذا العمل حتى الآن، خاصة بعد أن تعددت مهامك الدولية، وما تمخض عنها من أعباء وظيفية تشغل معظم وقتك؟
ربما ليس بذات كثافة الوقت السابقة، ولكن الحقيقة أننى مازلت حريص على مواصلة هذا العمل الذى ظهرت عنه نتائج جيدة ومفيدة ليست للسودان فقط، بل ودول الجوار أيضاً، فقد كانت هذه النماذج الرياضية هى الأولى من نوعها ليس فى المنطقة وحسب، ولكن على مستوى العالم تقريباً.
• وما هى أبرز هذه النتائج ؟
أود أن أوضح أنه فى هذه المنطقة التى أشرت إليها سابقاً لا يوجد من العوامل الطبيعية سوى الرمال والرياح، لذا فقد عمدنا لدراسة كيف تتسبب الرياح فى تحريك كتلة الرمال فى اتجاهات معينة بنماذج رياضية معينة ثم تتشكل الكثبان الرملية بعدة أشكال مختلفة. كما تتبعنا حركة حبات الرمال المسببة للتلوث أو ما يعرف بظاهرة Dust Stone ، وهى من الظواهر التى تقف وراء العديد من المشكلات البيئية فى السودان، إذ تتسبب فى تجريد الأرض الزراعية من أهم عناصرها الغذائية ومصدر خصوبتها. وقد كشفت الدراسة عن أن التفاعل بين هذين العنصرين ( الرياح والرمال ) كان معقداً جداً، حيث تبين أن الكثبان الرملية ذات الأشكال المختلفة على علاقة بعدة عوامل هى نوع الرياح وشدتها واتجاهاتها و كذلك طبيعة الرمال الموجودة فى المنطقة وأنواعها وحجم حبيباتها.
• بالنسبة لأكاديمية العلوم للعالم النامي (TWAS)، وبصفتكم المدير التنفيذي لها حالياً، نود أن نلقى الضوء على نشأتها والدور المنوطة القيام به ؟
أنشئت TWAS فى عام 1983، وأشرف على إنشاؤها نخبة من العلماء المتميزين بلغ عددهم 40 عالماً يتقدمهم 10 من الحائزين على جوائز نوبل. ويعتبر العالم الباكستاني محمد عبد السلام هو صاحب الفكرة فى إنشاء الأكاديمية، كما كان أول رئيس لها. وقد وصلت العضوية فى الأكاديمية حالياً إلى ما يزيد عن 800 عضواً . وهى تهدف إلى دعم الأنشطة العلمية فى الدول النامية، كما أنها تسلط الضوء على النجاحات العلمية فى هذه البلدان من خلال منح عدد من الجوائز المتميزة لأبرز العلماء فيها طالما ظلوا باقين فى بلادهم، بحيث تعود الفائدة من جهودهم على بلدانهم.
• وما هى أبرز البرامج التى تقدمها الأكاديمية فى الوقت الحالي؟
لدينا الآن العديد من البرامج يأتى فى مقدمتها :
1. برنامج التعاون بين الجنوب و الجنوب ويعتمد على فتح بعض بلدان الجنوب كالهند والصين والبرازيل وماليزيا التى نجحت فى تحقيق نهضة علمية خلال السنوات الماضية أمام باحثي دول الجنوب التى مازالت تطمح فى تحقيق نوعاً من التقدم العلمي . وقد تم تخصيص 250 منحة فى هذه الدول 100 منحة منها خصصتها الهند وحدها. وقد أصبحت هذه سياسة حكيمة معتمدة لدى هذه الدول تمكنهم من الحصول على مساهمات طلبة متميزين. وهناك دول أخرى نجرى مباحثات معها فى هذا الشأن كالمكسيك.
2. برنامج منح الباحثين الشبان منح مالية تعلن عنها الأكاديمية فى كل عام للعلماء والباحثين الشباب فى البلدان النامية والدول الفقيرة والتى تقدر بخمسين منحة قيمة المنحة الواحدة 10.000دولار أمريكي تمنح للباحث كى يستطع استكمال أبحاثه من خلال شراء أدوات أو كيماويات يحتاج إليها للانتهاء من بحثه، كما أنه من الممكن أن تمدد المنحة لمدة سنتين أو ثلاث.
• وما هى الجهات القائمة على تمويل المنح المالية للباحثين الشباب، وكيف تتم عملية الاختيار؟
الحقيقة أن الحكومة السويدية تحرص على تمويل هذه المنح بالكامل، ونحن لدينا نظام قائم على الشفافية الكاملة يعتمد مبدأ التميز والمنافسة فى الاختيار بحيث يتيح لقرابة الخمسمائة باحث التقدم للمنح فى كل عام، على أن تقوم لجنة مخصصة للاختيار بمراجعة هذه الطلبات وتحديد خمسين طلباً تستحق الحصول على المنح، وهو الأمر الذى تفتقد إليه غالبية دول العالم الثالث. ومن المعروف أن نسبة 5 % من بين العلماء فقط هى النسبة القادرة على إحداث التغيير الموجود فى العالم، ولكى تضمن الوصول الى هذه الفئة عليك اعتماد مبدأ التميز والمنافسة وهو ما تحرص عليه الأكاديمية عند المفاضلة فى الاختيار بين الباحثين.
• وما هى أهم المجالات العلمية التى تحفزون الشباب للعمل فيها؟
مجال التكنولوجيا الحيوية، ونحن بدورنا خصصنا 50 منحة سنوية فى هذا المجال نظرا لأهميته لدول العالم النامي. وأنا شخصياً اعتبر أن التنوع الحيوي الموجود لدى هذه الدول أهم ما تملك الآن، والدراسات الحديثة تؤكد على أن 80 % من هذا التنوع موجود فى الدول النامية.وهذا تراث كبيرة تمتلكه هذه الدول وإذا ما لم تحافظ عليه سوف تواجه مشكلات عديدة فى المستقبل.
• لعل كبرى هذه المشكلات هى احتكار شركات الدواء والغذاء الكبري لهذه الموارد تحت طائلة قانون الملكية الفكرية عبر سباق محموم لدى هذه الشركات نحو تسجيل السبق الجينى لهذه الموارد كبراءات اختراع، فما هو تعليقك على هذا الأمر ؟
نعم، ويعود ذلك بالفعل لعدم وجود القوانين، وغياب الوعي لدى هذه الدول فى حماية مواردها . وهناك دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية كشفت عن أن عوائد استفادة هذه الشركات من هذا الاحتكار فى السنة الواحدة يقدر بقرابة ستين بليون دولار، ودون أى استفادة تعود على هذه الدول.
• وتعتقد حضرتك، ما هو الحل لهذه الأزمة الكبيرة التى تواجه هذه الدول؟
الحل فى رفع مستوى البحث العلمي لدى هذه الدول للاستفادة المثلى من مواردها، إضافة إلى ما أشرنا إليه من وجود قوانين تحميها. وهناك تجربة جيدة قامت بها كل من الصين والهند فى هذا الإطار وهو تسجيل هذه الموارد وتوزيعها على مراكز الأبحاث فى بلدان العالم المختلفة، بحيث أنه فى حال أقدمت أى دولة على تسجيل واحدة من هذه الموارد تفشل فى إتمام الأمر بمجرد ثبوت السبق فى التسجيل لدى هذه الدول مالكة هذه الموارد. وأنا بدوري نقلت هذه التجربة لبعض الدول، ولدى علم بأن نيجيريا فى طريقها لعمل نفس الشيء بعدما درست التجربة الهندية فى هذا الإطار.

• وفى النهاية، وقبل أن أختم حديثي مع سيادتكم، يدفعنى الفضول إلى الاستفسار عن الكيفية التى جاء بها التحاقك بالأكاديمية وبدايات التعرف عليها ؟
جاء التحاقي بالأكاديمية عقب تعرفي على العالم الباكستاني الشهير عبد السلام الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء، فقد كان سعيداً جداً بجهودي البحثية فى بلدي السودان، وكان دائماً ما يتابعني ويشجعني ومن هنا نمت العلاقة بيننا كثيراً. وقد طلب منى عبد السلام عمل عدة مؤتمرات عن هذه الأنشطة البحثية فى تريستا مقر الأكاديمية بإيطاليا فيما بعد، وهناك أيضاً تعرفت على العالم المصري البارز فاروق الباز وكان ذلك عام 1979. وعندما اعتزم عبد السلام إنشاء الأكاديمية دعانى للذهاب الى تريستا لمدة 6 أشهر لمساعدته فى تحقيق الأمر، ثم طلب منى فيما بعد عندما قدمت الحكومة الإيطالية إليه منحة مقدارها 2 مليون دولار المكوث معه لمدة سنة أخرى للاشتراك فى إتمام عملية إنشاء الأكاديمية، وأصبحت السنة سنتان وثلاث إلى أن أصبحت الأكاديمية مقر عملي الدائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار منشور على مجلة العربي الكويتية

بن لاخضر تفتح أبواب تونس للعلم الحديث


كتب أحمد بلح: " عندما هبط رائد الفضاء الأمريكي" نيل أرمسترونج" على سطح القمر عام 1969، سارت الصور التى أرسلها موجودة على كافة شاشات أجهزة التليفزيون فى العالم. لكن العالم احتاج إلى 20 سنة أخرى منذ هذا التاريخ لالتقاط أول صورة للذرة! وبالرغم من أن مجالات العلوم الذرية هو الأصعب على الاستكشاف، إلا أنها الأكثر دعماً لمسيرة التنمية. ففى الوقت الذى توقف فيه البشر عن إرسال مركبات مأهولة للقمر، بلغت سرعة البحث فى تطبيقات العلوم الذرية أقصى مداها" .. بهذه الكلمات البليغة عبرت زهرة بن لاخضر عالمة الفيزياء التونسية الحائزة على جائزة اليونسكو " نساء العلم فى العالم" عن مدى قناعتها بمجالات البحث العلمي التى خاضت غمارها عبر أكثر من ربع قرن، تمثل مسيرة حياتها كامرأة عربية عنيدة ومثابرة مع العلم.

• أنامل صغيرة ومشوار طويل
• القــــوة دائماً مــع العـــــلم
• بين المجهر والتليـــسكوب
• حياة حافلــــــة بالإنجازات
• القـــــــــــــائد القــــــــدوة

أنامل صغيرة ومشوار طويل
منذ أيام الطفولة المبكرة، واجهت زهرة معارك وعقبات على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية أيضاً، وربما هذا ما عاد عليها بالفائدة، وجعلها تستقوي على كل هذه العقبات، وتمضى قدماً فى اتجاه تحقيق حلم حياتها مع العلم.
تقول زهرة عن نفسها : " عندما كنت صغيرة كان كل من حولي يقولون بأن دراسة العلوم ينبغى أن تقتصر على صنف الرجال، فالأمر يحتاج لبذل الجهد الكبير وإلى المثابرة ومتطلبات أخرى يصعب على النساء الإيفاء بها . وتضيف: " كانوا يعتقدون فى ذلك انطلاقاً من إيمانهم بوجود فروق أساسية فى القدرات العقلية بين الرجال والنساء وكذلك بين البنات والأولاد، لقد كان الدور المفترض على النساء القيام به داخل المجتمع هو العناية بالأسرة، وإيفاء احتياجاتها داخل المنزل".
وتعلق بن لاخضر على الأمر بالقول " لم أكن أتقبل هذه الأفكار، لقد كنت أحب دراسة الرياضيات وكل العلوم، وبصفة خاصة الفيزياء التى أصبحت فيما بعد وسيلتى كى أثبت قدرتى على تحقيق النجاح والتفوق تماماً كما يفعل الرجال".

وتتذكر بن لاخضر رحلتها مع سنوات التعلم الأولي فتقول: " واظبت على الذهاب إلى المدرسة الابتدائية فى عام 1950فى مدن " المهدية " و " الجميل " ، حيث أعلى مستوى من التعليم متاح للفتيات هو الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسي. لقد انتظم معى قرابة 25 فتاة فى السنة الأولى بالمدرسة، سلكت 6 منهم كل السبل الممكنة للاستمرار فى الدراسة واستكمال تعليمهم. وتعلق بن لاخضر على هذا الأمر" لكن حتى لو نجحوا ما كانوا ليستطيعوا الاستمرار حتى المدرسة الثانوية، إذ أن الأمر كان يتطلب منا السفر مسافة 25 كيلو متر فى كل يوم للوصول إلى مدينة " سوسة " أقرب المدن التونسية الكبري لنا، وهى رحلة طويلة وشاقة فى ظل عدم توافر أتوبيسات أو أية وسائل أخرى ملائمة للانتقال. لقد كانت غالبية الفتيات يذهبن فقط إلى المدرسة الابتدائية لسنوات معدودة ثم غالباً ما يتزوجن فى سن يتراوح حول 15 عاماً. لقد كان الزواج محور الاهتمام الأساسي لدى البنات فى حياتهن، وهذا ما كان المجتمع يتوقعه منا.


القوة دائماً مع العلم
كان المجتمع التونسي آنذاك بعيد عن ممارسة العلم الحديث ذكوراً وأناساً على السواء، فلم يكن يوجد بين التونسيين مهندس أو طبيب، فالبلاد خاضعة للاحتلال الفرنسي، لذا اقتصرت هذه التخصصات على الفرنسيين. كان أحد أهم دوافعي وراء النجاح فى مجال العلم هو الأهمية التى كان والداي يضعانها على العلم ودوره فى حياتنا، على الرغم من أنهما كان يعولان على أولادهما من الذكور فقط مسئولية القيام بدور فى هذه المساحة. لقد كانا يرغبان فى أن يتخصص أولادهما الذكور فى مجال الهندسة. وكما كان أبى يقول :" القوة دائماً مع العلم ومع الأفراد الذين يجيدون الرياضيات" .

وتعلق بن لاخضر على موقف والدها :" إن الصبيان يمتلكون القوة والفرصة أيضاً بحكم تكوينهم الطبيعي، ولكنى كنت أستطيع أن أرى أيضاً أن الفتيات ينبغى عليهم أن يكتسبوا لهم موقعاً فى عالم الرجال" .

فى عام 1956، حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا، وتغيرت الكثير من الأمور ، ومن ذلك أن نالت النساء حقوقهن وأصبحوا على السواء مع الرجال تحت سقف القانون، كما أصبح التعليم من القضايا الأساسية فى السياسات الحكومية. فى هذه الآونة، انتقلت عائلة بن لاخضر إلى عاصمة البلاد، وهناك نجحت فى أن تلتحق بالمدرسة الثانوية ومن بعدها الجامعة.
تقول بن لاخضر : " فى نهاية شهر يونيو من كل عام، كان يأتى إلى الجامعة أستاذ من فرنسا ليشرف على الامتحانات الخاصة بنا. وقد قررت الحكومة تخصيص منحة دراسية فى فرنسا لأفضل الطلاب فى العلوم الهندسية وأخرى فى العلوم الأساسية، فى عام 1976، وقع الاختيار على للالتحاق بالدبلوما العليا فى مجال علم الطيف الذري فى باريس.
وتعلق بن لاخضر على هذه الفترة بقولها: "جائتنى أنا و زوجي، وهو فيزيائي أيضاً الفرصة للعمل فى فرنسا، لكنا اخترنا العودة إلى بلدنا بالرغم من الحقيقة المعروفة لكلانا من افتقار تونس آنذاك للمناخ العلمي. و تضيف " بالفعل العمل هنا شاق جداً، لكننا لم نندم يوماً ما على قرارنا بشأن العودة لأرض الوطن.

بين المجهر والتليسكوب
لم تلتفت بن لاخضر إلى عروض العمل فى أوربا حيث الإمكانيات المادية والبحثية متوافرة، وقررت العودة إلى تونس حيث الجذور ما زالت تتشبث بالأرض التى نبتت بها. تسلمت بن لاخضر وظيفتها فى الجامعة فور عودتها للبلاد تحمل شهادة الدكتوراه من جامعة باريس عام 1978، لتبقى هناك منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.

فى المنطقة الفاصلة ما بين علمي الفيزياء والكيمياء، تقدم الفيزياء الذرية خلافاً لما هو شائع عنها مجالاً علمياً هاماً يحمل العديد من الفرص التنموية الواعدة، خاصة للبلدان النامية. ومنذ البداية، حرصت بن لاخضر على إنتاج أبحاث تطبيقية تلبى حاجة بلادها، لذا سعت إلى تأسيس نظام علمي يسهم فى تعزيز مسيرة علوم الضوء وتطبيقاتها فى تونس، بل وكل أفريقيا. وقد تمخض عن هذا النظام تطبيقات قيمة فى مختلف المجالات الحياتية ابتداءً من العلوم البيئية إلى علوم البيوتكنولوجي. وتعد أبحاثها نقاط بداية هامة لتطبيقات كثيرة متوقعة فى عدد كبير من المجالات العلمية كالفيزياء الفلكية والزراعة والطب والتطبيقات الصيدلية والصناعات الكيميائية. ففى أثناء عملها، تمكنت بن لاخضر من تطوير نظريات وطرق عملية متقدمة فى علم الاسبكتروسكوبي ( علوم الطيف الذري ) لدراسة تأثير الملوثات مثل الميثان والعناصر الفلزية (المعادن) على جودة الهواء والماء،حيث تدور أبحاثها النظرية على الخواص الطيفية للمادة، متضمنة تطبيقات مراقبة التلوث البيئي.

وعندما كانت زهرة طالبة فى باريس، ارتبطت بعلاقة ودودة مع العلامة المخبري ألفريد كاستلر، الذى استعرض للمرة الأولى ظاهرة انبعاث الضوء من أسطح المعادن، الظاهرة التى تنبأ بها آينشتين، والتى ساعدت فيما بعد على إنتاج الليزر .
وتعد ظاهرة تكبير ضوء الليزر وتتبع مساره فى الفضاء الواقع بين النجوم واحدة من أهم الموضوعات البحثية التى حظيت باهتمام بالغ من قبل زهرة، ونظراً لأنه لا توجد وسائل تقنية للمشاهدات الفلكية فى تونس، كانت تعتمد قى ذلك على المعامل الأوربية التى تربطها بالقائمين عليها علاقات طيبة، لتعود النتائج مرة أخرى إلى تونس حيث يتم تحليلها واستخلاص حقائق فلكية جديدة منها. وقد نجحت بن لاخضر فى إعداد كتالوج فلكى متميز يمكن استخدامه فى الاستدلال على تركيب النجوم فى الفضاء من خلال تحليل خصائص الضوء الذى نستقبله منها. وتعلق بن لاخضر على هذه الكشوفات بقولها : " لكى نفعل ذلك لابد من معرفة أن الضوء المرسل بواسطة الذرات والجزيئات يكون معبر عن التركيب الذري أو الجزئيى المقابل للجرم الصادر عنه. وقد أعدت بن لاخضر كتالوج خاص يضم ما يمكن أن نصنفه على أنه " بصمة ضوئية " للعناصر الكيميائية الداخلة فى تركيب الجرم السماوي".



حياة حافة بالإنجازات
ومنذ 30 عاماً تقريباً، تمارس بن لاخضر عملها كأستاذ للفيزياء فى جامعة المنار التونسية، وهى الآن تترأس قسم فيزيا " تجارب وتطبيقات علوم الطيف الذري " ، وتتولى مهمة العمل كمدير مختبر أبحاث الضوء، بالإضافة إلى كونها عضو مؤسس ورئيس " جمعية علوم الضوء التونسية ".
وتشرف بن لاخضر على الخريجين والطلاب الذين مازالوا فى مراحلهم الدراسية المختلفة. وفى هذا الإطار، ألفت بن لاخضر العديد من الأوراق البحثية التى نشرت فى مجلات علمية شهيرة، كما أسهمت فى تأليف العديد من الكتب الجامعية.

فى عام 1994 ، اختيرت البروفيسور بن لاخضر كعضو فى أكاديمية العلوم الإسلامية. وفى عام 2001 ، حازت على زمالة مركز " عبد السلام " الدولي للفيزياء النظرية ( ICTP ) ،كما اشتركت فى إعداد المؤتمرات الدولية الخاصة بمجال فيزيا الليزر، وكذلك وورش العمل المرتبطة بهذا العلم . وفى مطلع عام 2005، حازت بن لاخضر جائزة اليونسكو للنساء فى العلوم، بوصفها ممثلة لأبرز عالمات القارة الإفريقية في الفيزياء.

القائد القدوة
تبدى بن لاخضر إعجابها الشديد بالبروفيسور الباكستاني " محمد عبد السلام " الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء . ويعود الفضل إلى عبد السلام فى إنشاء المركز الدولي للفيزياء النظرية فى تريستا بإيطاليا، حيث يمكن لباحثي الفيزياء من دول العالم النامي الدراسة جنباً إلى جنب مع أحد العلماء فى جو علمي محفز مع إمكانية استخدام مصادر أفضل بإحدى المكتبات العلمية الكبرى. وتسير بن لاخضر على نهج عبد السلام متخذة من مبدأها الشهير " الإنسان ينبغى أن يعيش فى المكان الذى يكون فيه أكثر إفادة للآخرين، وعليه أن يحرص على ذلك فى كل مرحلة من مراحل حياته العملية " . وعندما سئلت بن لاخضر عن أحلامها العلمية، أجابت : " أمل بناء مركز عالمى لعلوم فيزيا الكم والبصريات فى أفريقيا تكون تونس مقر له على غرار مركز تريستا فى ايطاليا ". وتحرص بن لاخضر على فتح الطرق أمام الفتيات الأخريات لكى يسلكن نفس الطريق التى سلكته. وقد جائتنى أنا شخصياً الفرصة لكى التقى بهذه العالمة الكبيرة ز هرة بن لاخضر فى مراكش بالمغرب، حيث المؤتمر الخاص بالاجتماع السنوى للمجموعة الاستشارية الزراعية التابعة للبنك الدولى CGIAR التى كرمتها على جهودها فى خدمة العلم فى تونس وأفريقيا، وهو اللقاء الذى أتاح لى أن ألمس عن قرب مدى حبها للعلم وإيمانها بأنها صاحبة رسالة ترغب فى تذليل كل العقبات كى تحققها.
ـــــــــــــــ
المقال الأصلى منشور على موقع إسلام أون لاين. نت

د. سعد السيد الحائز على جائز أحسن عالم للكيمياء بدول العالم الثالث: حياتى البحثية سلسلة من المواجهات والتحديات الصعبة


أجرى الحوار/ أحمد بلح
ahmed_balah71@hotmail.com

تعد تجربة الدكتور سعد السيد أستاذ الكيمياء فى جامعة عين شمس المصرية، إحدى التجارب الرائدة التى تستحق التوقف عندها كثيراً للاستفادة منها فى معرفة كيف يمكن للباحث فى دول العالم النامي التغلب على عوائق البحث العلمي، وبخاصة مشكلة ضعف الإمكانيات. فالرجل الذى آثر البقاء فى بلده على الرحيل، حقق إنجازاً علمياً نال تقديراً عالمياً، كما تمخضت تجربته عن سلسلة من الكتب العلمية المتخصصة التى تدرس حتى الآن فى أفضل جامعات العالم بدول العالم المتقدم. وقد قارب عدد الأبحاث العلمية التى أجراها طوال حياته البحثية قرابة المائتين، اتجهت جميعها على الرغم من تنوعها للناحية التطبيقية فى الصيدلة والصناعة وعلاج مشكلات التلوث البيئي، كما نشرت كلها فى أرقى الدوريات العلمية العالمية. اختارته اليونسكو للاستفادة من تجربته عبر نشر كتابين من تأليفه يحمل الأول عنوان " الأجهزة قليلة التكلفة"، أما الثاني فقد جاء تحت عنوان " طرق تدريس الكيمياء العملية " . كما اختارته أكاديمية العالم النامي للعلوم عام 1986، ليكون أول عالم عربي ينال جائزتها.

• كيف كانت البداية مع دراسة علم الكيمياء؟
أعجبت كثيراً بدراسة هذا العلم فى الثانوية العامة، حيث كنت أمضى كثيراُ من الوقت داخل المعمل مع أساتذتي، استمتع بما يحدث من تفاعلات شيقة فى المحاليل الكيمائية، وبخاصة ما يتولد عنها من ألوان مميزة. ومن هنا تمنيت لو أنى تمكنت من الدراسة بإحدى الكليات العملية التى تدرس الكيمياء، وبالفعل التحقت بكلية العلوم فى جامعة عين شمس عام 1959. وفى الكلية، التحقت بقسم الكيمياء التطبيقية، وتخرجت منها عام 1963، حيث نلت شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف وكان ترتيبي الأول فى القسم، لذا عينت معيداً بالكلية ولم يكن عمري وقتها قد تجاوز العشرين عاماً.

• وماذا كانت الخطوة التالية؟
الخطوة التالية كانت دراسة الماجستير والدكتوراه مع الدكتور " وليم إبراهيم عوض " أحد أهم أساتذة الكيمياء العضوية فى مصر آنذاك. وكان د. وليم بطبيعته يحب الدخول فى الفروع العلمية الجديدة، لذا احتاجت رسالة الماجستير عمل تحاليل لا تتوافر فى معاملنا، حيث كانت التحاليل تجرى فى ألمانيا. وكانت أولى التحديات التى واجهتني، أن النتائج كانت تأتى غير متوافقة مع التركيب الكيميائى المتوقع للمركبات محل الدراسة. وقد تكرر الأمر لعدة مرات، وعندما لجأت للمكتبة للبحث عن وسيلة للتغلب على هذه العقبة، اكتشفت أمراً علمياً لم يكن متداولاً آنذاك، وهو أن هذه النوعية من المركبات ثابتة حرارياً، بما يعنى أنها لا يمكن أن تتكسر باستخدام الحرارة إلى العناصر الكيميائية المكونة لها، حيث أن ذلك كان يتطلب شروطاً يصعب تحقيقها داخل معاملنا، وكان علينا التفكير فى طرق أخرى جديدة لاتمام الدراسة. ومن هنا جاء التحول من مجال الكيمياء العضوية، حيث الاشتغال على تخليق هذه المركبات إلى الدراسة والبحث فى مجال آخر، وهو الكيمياء التحليلية، وهو مجال يختص بالطرق الكيميائية المسئولة عن تحليل نسب العناصر الداخلة في المركبات الكيميائية.



• ولكن كيف تمكنت من التغلب على هذه العقبة؟
بدأنا فى التفكير فى عمل تحاليل تعتمد على طرق يمكن من خلالها الوصول لدرجات حرارة مرتفعة جداً تتكسر عندها هذه المركبات، شريطة أن تكون من البساطة بحيث تتناسب مع إمكانيات معاملنا.
وقد نجحنا فى تحقيق ذلك، وجاءت دراسة الدكتوراه استكمالاً لهذا النجاح، حيث اخترت موضوع " التحاليل الدقيقة للمركبات الكيميائية " وبالتحديد تحليل المركبات الداخلة فى المفرقعات ومن أمثالها النيتروجليسرين، والنيتروسيليلوز، والنيتروبيرين، والنيتروجوانيدين، وهى مركبات صعبة التحليل ويحتاج التعامل معها لحرص شديد، كما أنها ينبغى أن تأخذ بكميات متناهية فى الصغر لتلافى مخاطر أى ضرر من الممكن أن يقع أثناء التجربة .
وكان الهدف من الرسالة استحداث طرق مبتكرة لإنجاز هذه التحاليل، ونجحنا بالفعل فى استنباط تفاعلات كيميائية جديدة لم تكن معروفة على المستوى العالمى، أهم ما يميزها طرق التحليل البسيطة، والتى كانت تتوائم مع ضعف مواردنا، فلم يكن أمامنا غير أن نفكر، فلم نكن نملك شيئاً غير قدرتنا على التفكير والإبداع. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة على هيئة بحوث ثلاثة فى عدد من كبريات المجلات العلمية فى بريطانيا هى Analytica Chimica ، Talanta ، Mikrochemica .

• أود من سيادتكم أن تلقى الضوء على الأصداء التى خلفتها هذه الدراسة، خاصة وأنها أجريت فى بلد نامي لا يمتلك معامل ذات إمكانيات عالية؟
عندما أرسلت الدراسة للفحص فى جهات علمية تتمتع بسمعة عالمية عالية كان أحد الممتحنين هو البروفيسور العالمى " تى. أس. ما " الأستاذ فى جامعة نيويورك الأمريكية، وكان الأخر هو العالم الشهير " رونالد بلشر " الأستاذ بجامعة برمنجهام بإنجلترا، وقد اعتبرها الممتحنون آنذاك فتحاً جديداً وتحمل أفكاراً جديدة فى علم الكيمياء. وقد خرجت نصوص التوصيات التى ذكرت فى تقريرهما تقول : " إن الإنجازات التى تحققت فى الدراسة تمثل إضافات بارزة فى مجال الكيمياء التحليلية الدقيقة" . وتوطدت علاقتي بهذين العالمين الكبيرين فيما بعد وتمخض عن ذلك ظهور إنتاج علمى مشترك لى معهما تمثل فى إنتاج عدة كتب متخصصة تدرس فى جامعات عالمية شهيرة. كما أنه تم استحداث بعض أجهزة التحاليل الكيميائية التى صممت بناء على ما توصلت إليه الدراسة من نتائج.

• وما هى أبرز هذه التطبيقات؟
من المعروف لدى الكيميائيين أن هناك تحاليل كيميائية تتم فى ظروف معقدة جداً نظراً لحساسية المواد المستخدمة فيها كالمواد المفرقعة والمخدرة، وهو ما قد يترتب عليه عدم الدقة فى نتائج هذه التجارب. ومن الأمثلة على ذلك محاليل التيتانيوم-3، فهو عنصر حساس للهواء كما أنه يصعب تخزينه أو حتى تحضيره، لذا قمت بتصميم جهاز تتم فيه بشكل آلي كل تفاعلات مركبات التيتانيوم، بحيث يقوم الجهاز بدور نظام متكامل ومغلق يحول دون أن تتعرض هذه المركبات للهواء.

كما أنني أتذكر حادثة لطيفة حدثت لى بأحد المؤتمرات فى ولاية أوهايو الأمريكية، وكان المحاضر العالم " كوكس " أحد العلماء المشهورين فى علم الكيمياء، وكان يحاضر حول طريقته الجديدة فى تحليل المفرقعات، والتى ابتكر من أجلها جهازاً حقق مبيعات ضخمة. وبدأ كوكس فى عرض إحدى الشرائح على شاشة العرض تضمنت كل التفاعلات التى توصلت إليها فى أبحاثي، حيث ضمنها جميعاً داخل تطبيقات هذا الجهاز. وقد دار حول أحد هذه التفاعلات جدلاً بين الحاضرين فى القاعة نظراً لغرابته، وصعوبة توقعه، وهو تفاعل يتم بين مركبات اليود ومركبات النترات وكلاهما من العوامل الكيميائية المؤكسدة لذا من المفترض علمياً أنه لايوجد أى ميل كيميائي للتفاعل فيما بينهما، ولكنى كنت قد برهنت فى أبحاثي على إمكانية حدوث ذلك. وبعد المحاضرة تقدمت إليه، وسألته عن صاحب هذه التفاعلات، فذكر لى أنها لشخص مصرى يدعى " حسن" ، وقد اندهش كثيراً وظهرت عليه حالة من السرور الشديد عندما صارحته بأننى ذلك المزعوم " حسن ".

• ولكن، كيف كنت تتغلب كباحث على الفجوة التكنولوجية الموجودة فى مجال الكيمياء، والتى بالضرورة كانت تنعكس على نتائج أبحاثك؟
للإجابة على هذا السؤال أتذكر حادثة أخرى وقعت لى عندما كنت فى منحة بحثية لأمريكا، ففى ذلك الوقت كانت هناك تقنية كانت مازالت حديثة العهد يطلق عليها Ion Selective Electrode أو " الأقطاب المنتخبة الأيونية " أو ما يعرف بالمستحثات الكيميائية، وهى تقنية يمكنها تحديد نسب العناصر الكيميائية داخل المحاليل بدقة متناهية، وكانت هناك شركة واحدة فقط تحتكر هذا المنتج. وقد حاولت التعرف على هذا النوع من الالكترود، وهو عبارة عن بللورة أحادية من مادة " اللنثانم كلوريد "، فقمت بشرائها كمادة خام، وكان ثمن القضيب الواحد منها 40 دولاراً، وذهبت به لإحدى الورش التى قامت بتقطيعه لشرائح نتج عنها 10 إلكترودات، وبإضافة بعض التكلفة البسيطة تكون التكلفة النهائية 5 دولارات مع العلم أنه كان يباع بـ 150 دولاراً، وبالتالى فالفكرة أنك كباحث تحاول أن تتكيف مع ظروف العمل والموارد المتاحة لديك، وقد قمت بنشر بحث عليه وعلى استخداماته فى تعيين مادة الفلورايد التى تستخدم فى تنظيف الأسنان. ومن المعروف أن طرق تحليل الفلورايد صعبة جداً، ولك أن تعرف أن العينة الواحدة تأخذ وقتاً باستخدام طرق التحليل التقليدية يصل لـ 5 ساعات، بينما باستخدام الالكترود لا يتجاوز الأمر عدة دقائق وربما مجرد لحظات.

• أعلم أن للأمر أيضاً علاقة بسرعة إنجاز أبحاث زوجتك الدكتورة أمينة، أرجو أن نوضح ذلك للسادة القراء؟
بالفعل " الفلورايد إلكترود " له قصة معى، حيث كانت زوجتى الدكتورة أمينة حسن عدس التى تعرفت عليها فى إحدى المهام العلمية المشتركة بيننا، عندما كنت باحثاً شاباً وكانت هى الأخرى معيدة بكلية طب الأسنان بجامعة القاهرة وباحثة تعمل على تحليل مركبات الفلورايد. فقد أعطاها أستاذها قرابة 400 عينة للاختبار، وكان من المتبع وقتها لاتمام هذا الاختبار القيام بسلسلة من الخطوات شديدة التعقيد، حيث يتم عمل طحن هذه العينات ثم توضع فى جهاز ليتم التقطير مع حامض البيركلوريك، ويتم جمع الناتج مع هيدروكسيد الصوديوم تحت تيار من غاز النتيروجين، ثم يضاف إلي العينة نوع من الصبغات، لينتج عن ذلك لون يقاس بجهاز الفوتوميترى. وعليه إذا استطاع الباحث إنجاز عينتين أو ثلاثة يومياً يكون قد أنجز، ومع افتراض أن كل أدوات وكيماويات الباحث متوافرة، يحتاج الباحث للانتهاء من هذه العينات قرابة سنة كاملة. ومن هنا جاءت أهمية الحصول على تقنية الإلكترودات الحديثة التى وفرت الوقت والجهد معاً وأسرعت فى إنجاز الدراسة.

ـــــــــــــ
الحواتر الأصلى منشور في مجلة العربي الكويتية

د. سعد السيد الحائز على جائز أحسن عالم للكيمياء بدول العالم الثالث: حياتى البحثية سلسلة من المواجهات والتحديات الصعبة


أجرى الحوار/ أحمد بلح
ahmed_balah71@hotmail.com

تعد تجربة الدكتور سعد السيد أستاذ الكيمياء فى جامعة عين شمس المصرية، إحدى التجارب الرائدة التى تستحق التوقف عندها كثيراً للاستفادة منها فى معرفة كيف يمكن للباحث فى دول العالم النامي التغلب على عوائق البحث العلمي، وبخاصة مشكلة ضعف الإمكانيات. فالرجل الذى آثر البقاء فى بلده على الرحيل، حقق إنجازاً علمياً نال تقديراً عالمياً، كما تمخضت تجربته عن سلسلة من الكتب العلمية المتخصصة التى تدرس حتى الآن فى أفضل جامعات العالم بدول العالم المتقدم. وقد قارب عدد الأبحاث العلمية التى أجراها طوال حياته البحثية قرابة المائتين، اتجهت جميعها على الرغم من تنوعها للناحية التطبيقية فى الصيدلة والصناعة وعلاج مشكلات التلوث البيئي، كما نشرت كلها فى أرقى الدوريات العلمية العالمية. اختارته اليونسكو للاستفادة من تجربته عبر نشر كتابين من تأليفه يحمل الأول عنوان " الأجهزة قليلة التكلفة"، أما الثاني فقد جاء تحت عنوان " طرق تدريس الكيمياء العملية " . كما اختارته أكاديمية العالم النامي للعلوم عام 1986، ليكون أول عالم عربي ينال جائزتها.

• ذكرت فى الحلقة السابقة، أن الفرصة جاءتك بعد الحصول على الدكتوراه للسفر إلى أمريكا فى منحة بحثية؟
نعم، ولكن كان ذلك بالتحديد فى عام 1972، أى بعد حصولي على الدكتوراه بقرابة 3 سنوات ولمدة 6 أشهر فى معهد رنسلر التكنولوجي بنيويورك.

• حدثنا، كيف كانت تجربتك هناك؟
كانت مفيدة جداً حيث أتيح لى العمل على كل أشكال التحاليل بالأجهزة الحديثة، وتمكنت خلالها من الخروج بستة أبحاث كاملة جديدة تماماً، ونظراً لقصر مدتها وما هالنى من حجم الإمكانيات المتاحة هناك، كنت تقريباً أبيت فى المعمل. كنت تقريباً أبيت فى المعمل، وقد أحدث ذلك حالة من الاندهاش بين زملائي، ولولا أن الأجهزة التى كنت اشتغل عليها كانت تعمل بشكل آلي فتسجل النتائج مصحوبة بالتوقيتات، لما صدقوا بمسألة مبيتي فى المعمل يومياً تقريباً. وأنا شخصياً، اعتبر هذه الفترة هى النواة التى فتحت أمامي العديد من الفرص البحثية الجديدة .

وقبيل عودتي لمصر طلب منى أستاذي الذى امتحنني فى رسالة الدكتوراه " تى إس ما " إعداد كتاب بالتعاون معه حول استخدامات " الأقطاب المنتخبة الأيونية " .

• وهل أسفر هذا التعاون عن خروج الكتاب للنور؟
نعم، لقد سافرت بعد عودتي لمصر بفترة زمنية قصيرة إلى ليبيا للعمل فى إحدى جامعاتها، فأصبح موضوع الكتاب هو همي الشاغل، وساعدنى على ذلك توافر الإمكانيات فى ليبيا كما أنهم كانوا يستجيبون لكل ما أطلبه وبلا استثناء، وبالفعل انتهيت من كتاب حول التحاليل الكيميائية باستخدام "الأقطاب المنتخبة الأيونية " أو ما يعرف أيضاً باسم المستحثات الكيميائية. أرسل الكتاب إلى دار النشر الأكاديمية Academic Press والتى تعد إحدى أكبر دور النشر العالمية، وهناك طلبوا تقليل عدد صفحات الكتاب، حيث كان حجمه كبيراًَ جداً، إلا أنى فضلت أن يطبع على جزءين نظراً للمجهود الكبير الذى بذلته فيه، لاحتوائه على معلومات قيمة لتجارب عملية قمت بها خلال فترة وجودي فى ليبيا. وبالفعل تمت عملية النشر عام 1982.

• ولكن حسب علمي فإن هذا الكتاب كان الأول ضمن سلسلة من الكتب المتخصصة التى تدرس فى أرقى جامعات العالم؟
نعم، فقد أتيحت لى فيما بعد العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى فى الفترة من 1980 الى 1982، ولكن كأستاذ زائر فى جامعة ديلاوير، تمكنت خلالها بالتعاون مع العالم الأمريكي الشهير " جاري رخنتز " فى نشر عشرين بحثاً علمياً وإعداد كتاب نشرته دار النشر العالمية " جون ويلي " عن استخدامات تقنية " طيف الامتصاص الذري " فى التحاليل الكيميائية، والكتاب يدرس فى العديد من جامعات العالم، حيث كان فى ذلك التوقيت الكتاب الوحيد المتاح على مستوى العالم عن استخدامات طيف الامتصاص الذري فى التحاليل العضوية. وكانت دار النشر الأكاديمية قد نشرت لى كتاب حول " تحليل الفيتامينات " عام 1980 . كما تعاونت مع اليونسكو فى إصدار كتابين الأول بعنوان " الأجهزة قليلة التكلفة " ، والثاني بعنوان " طرق تدريس الكيمياء العملية " . وقد بلغ إجمالي هذه الكتب أربعة عشر كتاباً نشرت جميعها فى دور نشر عالمية، لذا فقد جاءت جميعها باللغة الإنجليزية. وقد زودت أحدها بحوالي 2500 مرجعاً علمياً، وهذا ما أشار إليه البروفيسور س. ناتلسون الأستاذ بجامعة تنسي الأمريكية فى العدد رقم 31 من مجلة Microchemical Journal ، وقد أشاد بالكتاب طالباً أن تزود به المكتبات والجامعات والمعاهد العلمية الطبية والصناعية والبيئية.

• نعود مرة أخرى لتجربتك البحثية فى ليبيا، كيف تستطيع أن تقيم لنا هذه التجربة الآن؟
جاءت إعارتي إلى ليبيا لمدة أربع سنوات فى الفترة من سبتمبر 1972 وحتى يونيو 1976 ، نشرت خلالها 36 بحثاً علمياً تم نشرها فى كبريات الدوريات العلمية المتخصصة. كما أن تجربتى فى لبيبا لم تقتصر على الجوانب البحثية وفقط، وإنما أمتد نشاطي هناك إلى تطوير أنظمة التدريس وتطوير المعامل ومحاولة خلق كوادر علمية ليبية يمكن الاعتماد عليها فى دفع عجلة البحث العلمى هناك. وما زالت التجربة مستمرة، حيث أننى أقوم بدور الممتحن والمحكم لرسائل الماجستير والدكتوراه وترقية الأساتذة الليبيين داخل جامعاتهم . ومما هو جدير بالذكر، أنه بمجرد عودتي من ليبيا عام 1975 حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى الكيمياء وكان عمرى آنذاك 32 سنة. كما نلت جائزة الجمعية الملكية البريطانية فى الكيمياء عام 1979 عن استخدامات المحسات الكهروكيميائية فى تحليل الأدوية، وكذلك الميدالية الذهبية للجمعية الكيميائية الأمريكية عام 1982 عن استخداماتي للإنزيمات فى التحاليل الطبية.

• ولكن، ما هو الأساس العلمي الذى تقوم عليه فكرة عمل تقنيات المستحثات الكيميائية؟
تعود فكرة ابتكار المستحثات إلى أول رحلة فضاء قام بها المكوك كولومبيا، حيث كانت هناك حاجة لابتكار وسائل لمعرفة نسب بعض الأيونات والغازات فى التجارب العلمية المختلفة التى كانت تجرى على متنه، وهى تجارب تحتاج إلى توافر أجهزة تحليل تستخدم اللهب مثل جهاز قياس الطيف الذرى Atomic Absorption ، وهو ما قد يسبب خطورة على رواد الفضاء الموجودين على متن المكوك. لذا كان ابتكار المستحثات والتى تتميز إمكانية تصنيعها بأحجام دقيقة جداً فى حجم الدبوس مثلاً، وبأشكال مختلفة، ويمكنها إجراء التجارب على عينات غاية فى الدقة. ومن هنا بدأ دخول المستحثات فى تقدير كل شىء، حيث تستخدم فى تقدير العناصر الكيميائية فى الملوثات، والأدوية، والماء، والهواء، والغذاء أيضاً.
وتستوحى المستحثات الكيميائية فكرة عملها ببساطة من طريقة عمل الأغشية الموجودة بجدران الخلايا الحية، والتى تكون حساسة تجاه دخول أو خروج عناصر غذائية معينة دون الأخرى. وقد تم الاستعاضة عن ذلك بالأغشية المخلقة، وهى عبارة عن أغشية بوليمرية تصنع من مواد " بى . دى . سى " ، " البولى استيرين " بولى يورسين " وتزود بمواد نشطة كهربياً يمكنها أن تحس بطبيعة ونسب المواد المطلوب تقديرها داخل المحاليل الكيميائية، حيث يمكن وضعها فى إناء التفاعل وهو مغلق لتكون بمثابة المؤشر الذى يكشف للباحث عما يحدث بالداخل.

• أرجو أن توضح لنا كيف أصبحت أحد رواد هذا المجال التقني الجديد؟
أمكن لى العمل على هذا المجال وإحداث تطوير فيه، وبخاصة فى ابتكار العديد من المستحثات فى مجال الأدوية وأخرى فى مجال المواد المخدرة، وكذلك الملوثات بأنواعها. وقد كانت لى تجربة ثانية فى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما عدت إليها عام 1980 كأستاذ زائر لمدة عامين، عملت خلالها على المستحثات الحيوية وهى تقنية تستخدم بشكل واسع فى تقدير نسب المركبات الدوائية، وكذلك المركبات البيولوجية فى جسم الإنسان بتركيزات متناهية فى الصغر كالفيتامينات أو بعض المواد التى تتخذ كمؤشر على الإصابة ببعض الأمراض، لذا فإن تقدير هذه المركبات بنسب متناهية فى الصغر يمثل أهمية كبيرة جداًُ فى اكتشاف هذه الأمراض فى وقت مبكر.

• وماهى آخر التطورات العلمية فى هذا المجال الهام؟
أود الاشارة إلى أن لجنة الأمن القومى الأمريكى كانت قد تقدمت إلى الرئيس الأمريكى السابق " بل كلينتون " بتقرير يضم توصيات عن دور العلم فى تحقيق السيادة الأمريكية على العالم، وضرورة الاهتمام بـ 27 مجال علمى لتحقيق ذلك كان فى مقدمتها مجال تكنولوجيا المستحثات. وبالفعل، تم تطوير أنواع كثيرة للمستحثات مع حلول القرن الحادى والعشرين تستطيع القيام بعمليات القياس عن بعد، حيث ترسل مع المركبات الفضائية الغير مزود برواد لأداء بعض المهام، وكذلك الحال فى قيعان البحار والمحيطات. كما يوجد الآن ما يعرف بالأنف الإلكترونية التى تستطيع أن تشم الروائح، واللسان الإلكتروني الذى يتذوق بواسطة شريحة دقيقة جداً مبرمجة على أداء ذلك، وقد أمكن استغلال ذلك فى تشخيص العديد من الأمراض كأمراض الجهاز الهضمي والتعرض على بعض أنواع السرطانات وهناك أيضاً استخدامات لها فى الصناعة وبخاصة صناعة المواد الغذائية، حيث تتيح التعرف على صلاحية المنتج من عدمه.


• تعتبر تجربتك البحثية فى دولة قطر الأكثر ثراءً، نرجو أن تسلط لنا الضوء على هذه التجربة، خاصة وأنك نلت فى أثناءها جائزة أفضل عالم فى دول العالم الثالث؟
جاء سفري إلى قطر بناء على طلب المسئولين فى جامعة قطر، حيث عينت رئيساً لقسم الكيمياء هناك. استمرت الرحلة 4 سنوات فى الفترة من عام 1984 وحتى 1989، نشرت خلالها قرابة 25 بحثاً على المواد الكيميائية المخدرة والملوثات البيئية، وخلال هذه الفترة وبالتحديد فى عام 1986 منحت جائزة أكاديمية العالم الثالث للعلوم من ضمن 500 عالم تم ترشيحهم للجائزة. وقد تسلمت الجائزة فى قاعة الشعب الكبرى فى بكين من قبل الرئيس الصيني فى ذلك الوقت، وكذلك العلامة الباكستاني الحائز على جائزة نوبل وصاحب فكرة الجائزة. وجاء اختيار الصين آنذاك، حيث كانت أكبر دول العالم النامي . وقد عدت إلى مصر مرة أخرى فى عام 1989، وفى عام 1991 حصلت على درجة الدكتوراه العالمية فى العلوم DSC . كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية فى عام 1998، الغريب فى الأمر أن الترشيح لها جاء من جامعة حلوان وليس من جامعة عين شمس، حيث أننى كنت فى ذلك الوقت رئيساً لقسم الكيمياء وقمت آنذاك بترشيح أحد أساتذتي ولكن كانت المفاجئة هو حصولي عليها، وأنا الآن عضو فى اللجنة العليا التى تمنح جوائز مبارك وجائزة الدولة التقديرية أيضاً.

• ولكن، ماهى قصة حصولك على جائزة أكاديمية العلوم لدول العالم النامي كأحسن عالم فى دول العالم الثالث؟
الترشح للجائزة جاء بناءً على اقترح لمجلس إدارة جامعة قطر، حيث كنت ما أزال معاراً بها . وقد تقدمت إلى الجائزة بعدد من الأبحاث وصل آنذاك 120 بحثاً فى مختلف المجالات التطبيقية للكيمياء التحليلية اشتملت على ابتكار طرق علمية جديدة تتميز ببساطة الاستخدام والتجريب للكشف عن العناصر الكيميائية المؤلفة لجزيئات الفيتامينات والهرمونات والإنزيمات والأجسام المضادة بالإضافة إلى أخرى فى مجال الكشف عن المخدرات فى الدم واللعاب. هذا إلى جانب التطبيقات الكيميائية فى مجالات الصناعة وحماية البيئية من التلوث. علاوة على أربعة كتب علمية منشورة فى الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا، كنت قد كتبتها بالإنجليزية وتم نشرها فى عدد من دور النشر العالمية كما سبق التنويه إلى هذا الأمر من قبل. وكانت الجائزة ترشح حائزيها فى ذلك الوقت لنيل جائزة نوبل، كما أشترك فى التحكيم بعض العلماء الذين يشاركون فى اختيارات جوائز نوبل العلمية. وجاء فوز بالمركز الأول من بين 500 عالم للكيمياء ينتمون جميعاً لدول العالم الثالث.

• هناك تجربة هامة تستحق أن نتوقف عندها، وأقصد بها تجربة المعمل المرجعي لجهاز شئون البيئة؟
بعد رجوعي إلى مصر عائداً من قطر، قمت فى تسعينيات القرن الماضي بالتعاون مع جهاز شئون البيئة المصري وهيئة المعونة الدانماركية بإنشاء المعمل المرجعي الذى يمثل المرجعية العلمية والتكنولوجية لجهاز شئون البيئة، حيث يقدم المشورة والخبرات التقنية. ويتولى الأشراف على جميع فروع المعمل فى محافظات مصر المختلفة، كما يقوم على تدريب الأفراد العاملين فيها. ومما يجدر ذكره أن هذا المعمل نال ما يعرف بشهادة الاعتماد أو الجودة العالمية " أيزو" ليكون بذلك أول معمل تقني فى جميع جامعات مصر ينال هذه الشهادة.



• ولكن وقبل أن أختم حديثى مع سيادتكم، ماذا عن سعيكم لتوريث جهودكم العلمية فى بلدكم مصر؟
استطعت مع إحدى الشركات المصرية العاملة فى مجال الأدوية تدريب الباحثين الموجودين بها على استخدام أنواع معينة من المستحثات لتتبع التفاعلات بما يمكن من تطويرها لرفع حصيلة الإنتاج بالشركة. وبالفعل نجحنا فى رفع حصيلة العائد بالنسبة لخمس أنواع من الأدوية من 30% الى 80 %، وهو ما يعود على زيادة الربح والعائد. وأنا صاحب مدرسة علمية لا تقتصر على جامعة عين شمس فقط، وإنما تمتد إلى جامعات أخرى كجامعة المنوفية والزقازيق وألمنيا بالإضافة إلى جامعتي القاهرة وعين شمس فى تخصصات الكيمياء والصيدلة. فقد أشرفت حتى الآن على قرابة 80 رسالة ماجستير و80 رسالة دكتوراه .

ـــــــــــ
نشر الحوار الأصلى على مجلة العربي الكويتية عام 2007

حياة سندي.. قصة نجاح عالمة سعودية



حياة سندي.. قصة نجاح عالمة سعودية
حاورها – أحمد بلح : " داخل منزلي في بريطانيا أعيش وطني الذي أتمنى عودتي إليه، ففي بيتي كل شيء من رائحة الوطن، ترتيب أثاثي، والصور القرآنية على الحوائط، والبخور الذي أبخر به يومياً حجراته المختلفة ". بهذه الكلمات الرقيقة عبرت الباحثة السعودية الدكتورة "حياة سندي " المتخصصة في علوم التقنيات الحيوية عن مدى اشتياقها للعودة إلى أرض الوطن.
حياة التى ولدت فى مكة، أمضت ما يقارب 13 عاماً في بريطانيا، تعمل وتدرس حتى حصلت على درجة الدكتوراه في أدوات القياس الكهرومغناطيسية والصوتية من جامعة كمبريدج العريقة، وقد استطاعت أن تتوصل إلى عدد من الاختراعات العلمية الهامة جعلتها تتبوأ مكانة علمية عالمية رفيعة. وقد دفعت هذه المكانة أمريكا الى دعوتها ضمن وفد ضم 15 من أفضل العلماء في العالم، لاستشراف اتجاهات ومستقبل العلوم ، كما دعتها جامعة بركلي لتكون واحدة ضمن أبرز ثلاث عالمات،هن كارل دار، رئيسة بحوث السرطان، والثانية كاثي سيلفر، أول رائدة فضاء، بالإضافة إليها ليكن المثل الأعلى في العلوم والتقنية للفتيات الأميركيات لتحفيزهن وتشجيعهن على الولوج إلى المجالات المختلفة فى العلوم.
مسيرة حياة
تخرجت حياة من الثانوية العامة بتفوق، حيث أهلتها درجاتها للالتحاق بكلية الطب، وهناك عشقت علوم الأدوية، إذ كانت تراها علوماً تخدم الإنسانية وتحميهم من المرض. ولسوء الحظ لم تجد فى جامعات المملكة قسم يختص بتدريس هذا العلم، وأمام رغبتها الشديدة فى استكمال تعليمها فى هذا التخصص، استسلم الأهل عندما أبدت لهم رغبتها فى السفر إلى لندن لدراسته هناك.
وصلت حياة إلى لندن ولغتها الانجليزية أو ما تحمله من خلفية علمية لا يؤهلانها للقبول بأي جامعة، لكنها استطاعت أن تتجاوزها بالإرادة والجدية. تقدمت حياة للثانوية البريطانية التى كان عليها أن تجتازها أولاً ، ولكن نظراً لأن لغتها كانت ضعيفة فقد رفض طلبها، وعندها قررت أن تنزع كلمة المستحيل من قاموس حياتها، فكانت تدرس يومياً مابين 18 إلى 20 ساعة إلى أن تقدمت للاختبارات التى أهلتها فيما بعد للحصول على قبول غير مشروط في جميع الجامعات التي تقدمت لها، عندما قررت الالتحاق بجامعة ( كينجز كوليدج ).



نبوغ مبكر
جاءت لحياة فرصتها الذهبية وهى فى العام الثاني من مشوارها مع العلم، عندما وصل عقار جديد من ألمانيا إلى جامعتها، وطلب من فريقها العلمي أن يجرى عليه التجارب لمعرفة تركيبته الكيميائية، وكيفية عمله فى جسم الإنسان. وقد استطاعت وفريقها تحقيق هذا الإنجاز، فكانت تلك التجربة وراء اختيارها التقنية الحيوية ليكون مجال تخصصها فى الدراسات العليا بجامعة كمبريدج بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف. وكما تقول " : لقد أدركت بأن من ينجح في التحكم بالتقنية الحيوية ينجح بالتحكم في العالم وتسخير موارده لحياة أفضل، فالتقنية الحيوية اليوم مفتاح النهضة العلمية والاقتصادية " .
وفى الشهر الرابع لها فى كمبريدج، تمكنت من تحقيق نتائج مبهرة على جهاز من ابتكارها يتتبع آثر نوع من أنواع المبيدات الحشرية على الدماغ. وقد تقدمت ببحثها هذا إلى مؤتمر ( جوردن ) المنعقد فى ولاية بوسطن الأمريكية، حيث تم قبول البحث، إلا أن الجامعة رفضت لعدم استعدادها التكفل بالتكاليف، خاصة أنها مازالت طالبة، ولم يمر على وجودها بالجامعة سوى عدة شهور . وكانت المفاجأة أن الجهة المنظمة أبدت استعدادها لتغطية التكاليف، وبالفعل ذهبت، حيث كانت أصغر المشاركين، و هناك حظي البحث باهتمام وإعجاب بالغين من كل الحضور. فكانت بذلك أصغر طالبة ترسلها الجامعة لحضور مؤتمر علمي فى الخارج.
وفى عام 1999 تم اختيارها كى تنضم إلى فريق العلماء الشبان الأكثر تفوقاً في بريطانيا فى تجربة تمت بمجلس العموم البريطاني بهدف أخذ مشورة هذه المجموعة فى تطوير مناهج العلوم ووضع آليات للحد من الهجرة تجاه أمريكا.
وقبيل الانتهاء من الدكتوراه، وبالتحديد فى عام 99 جاءتها دعوة من مستشفى السرطان بكندا لإجراء التجارب على مجس متعدد الاستخدامات كانت قد ابتكرته وذاع صيته. ولم تكن هذه الدعوة الأولى من نوعها فيما يخص هذا الابتكار المعروف اختصاراً بـ مارس MARS، حيث تلقت قبل ذلك دعوة من وكالة ناسا ولمدة أسبوعين قدموا إليها بعدها عرضاً مغرياً للعمل معهم. ويمكن القول بأن هذا الجهاز هو خلاصة أبحاث وتجارب " حياة " العلمية، حيث أن له العديد من التطبيقات فى نواحي مختلفة للصناعات الدوائية، وفحوصات الجينات والحمض النووي DNA الخاصة بالأمراض الوراثية، وكذلك المشاريع البحثية لحماية البيئة وقياس الغازات السامة. ويتميز ابتكارها بدقته العالية التى وصلت إلى تحقيق نسبة نجاح فى معرفة الاستعداد الجيني للإصابة بالسكري تبلغ 99.1، بعد أن كانت لا تتجاوز 25% .
عقبات على الطريق
وعلى الرغم من مؤشرات النبوغ المبكر التى ظهرت على حياة، فقد كان هناك الكثير من العقبات التى اعترضت طريقها. فقد بدأت هذه المرحلة بصدمة تلقتها بمجرد انتسابها كأول سعودية تحصل على منحة دراسية لتحضير أطروحة الدكتوراه في مجال التقنية الحيوية،عندما استقبلها أحد أساتذتها بصرخة فى وجهها طالباً منها ضرورة الفصل بين العلم والدين، فى إشارة إلى حجابها، قائلاً : " فاشلة ، فاشلة ، فاشلة ... ما لم تتخلي عن حجابك ومظهرك وأؤكد لكِ بأنه خلال ثلاثة أشهر فقط ستذوب شخصيتك في مجتمعنا وتصبحي مثلنا، فلابد من الفصل بين العلم والدين ." وخلال الأشهر الثلاثة، تبدل الهجوم لاحترام كبير من جميع الزملاء، فقد أدركوا من سلوكها المتميز بأنه لا تعارض فى الإسلام بين الدين والعلم، حتى أنهم كانوا يمتنعون خلال شهر رمضان عن تناول الطعام أمامها، بل ويؤجل بعضهم وجبة الغداء إلى موعد الإفطار احتراماً وتقديراً لها .
ومن هذه العقبات ما واجهته وهى على مشارف الانتهاء من رسالة الدكتوراه، وكان قد تبقى على المنحة 9 أشهر فقط، عندما جاءها خطاب من عميد الجامعة يفيد بضرورة تغيير موضوع البحث والعمل على مشروع جديد!! لم يحمل الخطاب أي مبررات... كان عليها أن تنجز رسالة جديدة في 9 أشهر... دارت الدنيا بها عندما شعرت بأن هذا القرار كفيل بأن يعصف بكل آمالها. سألت نفسها وما العمل؟ فلم تجد غير إجابة واحدة وهى ضرورة الاستجابة وبسرعة حتى لو تطلب الأمر منها أن تسابق الزمن، وبمجرد وصول الخبر لصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز،جاءها اتصالاً يفيد بتكفل الدولة بتغطية الفترة المتبقية من دراستها.
أنجزت حياة رسالتها والتى كان موضوعها " دراسات متقدمة في أدوات القياس الكهرومغناطيسية والصوتية " وقد صنفها أستاذها بأنها خمس رسائل في رسالة واحدة، نظراً لما حملته من تشعب في مجالات علمية عديدة وتخصصات مختلفة. وقد أجيزت الرسالة، وهنأها أستاذها قائلاً لها: " لقد فتحت يا حياة نافذة جديدة للعلماء لفهم العلوم ".

بين الروس والأمريكان
فى عام 2001، تلقت حياة سندي الدعوة لزيارة البنتاجون على هامش حضورها المؤتمر القومي لمرض السرطان، وهى الزيارة التى تقول عنها أنها كشفت لها أسرار النهضة العلمية الأمريكية، حيث اطلعت على الدور الذى يقوم به العلماء هناك. وتقول حياة تعليقاً على ذلك:" في البنتاجون يتم اختيار نخبة من العلماء، ويكون لهم قسم خاص في الحكومة وميزانية ضخمة للأبحاث والدراسات... وتتجاوز الرؤية ذلك بالعمل المستمر على اكتشاف المشاكل التي يعاني منها المجتمع المحلي ومن ثم توجيه العلماء لدراستها في سبيل إيجاد الحلول لها أو الاتجاه مباشرة إلى تخصصهم في المجالات التي يحتاجها المجتمع" .

وفى المقابل من ذلك، أتيح لحياة زيارة روسيا فى إطار منحة بحثية مقدمة من جامعة كمبريدج تتمثل فى نقل خبرتها فى مجال أبحاث التقنية الحيوية لجامعة موسكو. وقامت حياة بالتواصل مع الباحثين الروس الذين لم يكن لديهم خلفية عن شخصيتها، عبر الايميل قبل أن تنتقل إلى موسكو. وقد جاءت المفاجأة بمجرد أن وصلت روسيا، وفى الموعد والمكان المحدد جاء لقاؤها مع العلماء الروس الذين ما إن علموا بوصولها حتى خرج عدد منهم من قاعة الاجتماع لمقابلتها، وإذ بعلامات الاستغراب على وجوههم، و جاء على لسان أحدهم مستنكراً صغر السن وربما يكون هيئتها وهى ترتدى الحجاب: هل أنتِ حياة سندي؟... فأجابت بنعم ... فتبادلوا النظرات، وعادوا إلى القاعة وتركوها ترقب خطواتهم!!.... فسارت خلفهم إلى أن دخلت القاعة وخاطبتهم قائلة: لقد قطعت كل هذه المسافة بناء على طلبكم ولدي مهمة سأنجزها، فهل نبدأ؟... فاستجابوا لها، ولم يفت من الوقت إلا القليل حتى تبدلت المواقف من الاستغراب والاستنكار إلى الإعجاب والتقدير .
الافتقار إلى المناخ العلمي
ومثلها كباقى العلماء والباحثين العرب يفتقدون فى بلدانهم المراكز العلمية المتطورة التى تناسب تخصصاتهم. وفيما يخص حياة، فإن ارتباطها بالخارج أصبح معلقا بما تنادى به من إقامة مركز للأبحاث العلمية في الوطن.
وتعلق حياة على مسألة عودتها بقولها: " إن عدت الآن فسوف أغرق في العمل الأكاديمي البحت، وسيستهلك ذلك وقتي الذي أريد استغلاله في معامل متخصصة متطورة يمكنها أن تحوي كل ما أريد أن افعله في أبحاثي، لا أن أصاب بالإحباط في نقص الأدوات وتواضع الإمكانات، ولذلك أنادي بقيام مشروع متخصص في الأبحاث متطور تقنياً ".
الإيمان بالعمل التطوعي
تأمل حياة من خلال عملها ونشاطها أن تكون سفيرة لبلادها، تقول : " لا أحب أن أتأخر عن عمل الخير والترويج الايجابي لوطني"، داعية السعوديات والسعوديين إلى المشاركة في الأعمال التطوعية، معلقة على ذلك بأن أي عمل مهما كان صغيرا يصنع فرقا، وليس من الضروري أن يكون الشخص عالماً أو طبيباً أو ثرياً ليصنع فرقاً.

وفى هذا الإطار، تحرص حياة على الحضور إلى بلدها كلما جاءتها الفرصة بهدف عرض تجربتها الشخصية. وهى الآن تقوم بزيارات عديدة للفتيات في مختلف مناطق المملكة لأجل تحفيزهن على النجاح والطموح من خلال استعراض مشوارها العلمي والعملي. وتعلق على هذا الأمر بقولها: " لا أؤمن بالنجاح الفردي إذا لم يكن مرتبطا بالمجتمع، وواجبي أن أخاطب الفتيات على اختلافهن تشجيعا لهن على العلم والتميز من خلال تجربتي الذاتية" .
كما أنها شاركت مع 300 سيدة في جولة للسلام حول العالم باستخدام الدراجات الهوائية، ضمن مجموعة نسوية تضم سيدات وآنسات من مختلف جنسيات العالم تطلق على نفسها " فولو ذا وومِن " والتى تعنى" الحقوا بالسيدات" . والمجموعة التى يجمعها حب ركوب الدراجات يروجن للسلام ويأملن في إنهاء العنف في منطقة الشرق الأوسط، وقد حملن رسالة موجهة لقادة العالم عنوانها «تحركوا».
ولا تقتصر اهتمامات حياة بالعلم فقط، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى كثيرة، حيث أن لديها ثقافة موسوعية، فهى تحب الشعر والفن و تتذوق الموسيقى ومن الرياضة تهوى ركوب الخيل، كما أنها عاشقة للتراث، وتحرص على أن تخصص وقتا لكل ذلك.
ـــــــــ
الحوار منشور على موقع إسلام أونلاين. نت